للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثاني: جواز طلب الولاية لمن كان لها أهلًا أو تعينت عليه.

لقد دلت الآية على جواز أن يطلب الإنسان عملًا يكون له أهلًا، فإن قيل: فقد روى مسلم عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا" (١).

فالجواب: أن يوسف - عليه السلام - إنما طلب الولاية؛ لأنه يجوز لمن وثق من نفسه إذا دخل في أمر من أمور السلطان أن يرفع منار الحق، ويهدم ما أمكنه من الباطل، وطلب ذلك لنفسه، ويجوز له أن يصف نفسه بالأوصاف التي لها، ترغيبًا فيما يرومه، وتنشيطًا لمن يخاطبه من الملوك بإلقاء مقاليد الأمور إليه، وجعلها منوطة به، ولكنه يعارض هذا الجواز ما ورد عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - من النهي عن طلب الولاية والمنع من تولية من طلبها أو حرص عليها (٢).

وهذه الآية أصل لوجوب عرض المرء نفسه لولاية عمل من أمور الأمة إذا علم أنه لا يصلح له غيره؛ لأن ذلك من النصح للأمة، وخاصة إذا لم يكن ممن يتهم على إيثار منفعة نفسه على مصلحة الأمة، وقد علم يوسف - عليه السلام - أنه أفضل الناس هنالك؛ لأنه كان المؤمن الوحيد في ذلك القطر، فهو لإيمانه بالله يبث أصول الفضائل التي تقتضيها شريعة آبائه إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب - عليهم السلام -، فلا يعارض هذا ما جاء في صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة؛ قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها"؛ لأن عبد الرحمن بن سمرة لم يكن منفردًا بالفضل من بين أمثاله ولا راجحًا على جميعهم.

ومن هذه الآية أخذ فقهاءُ المذهب جواز طلب القضاء لمن يعلم أنه أهل، وأنه إن لم يُول ضاعت الحقوق.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٢٢)، مسلم (١٦٥٢).
(٢) فتح القدير للشوكاني (٣/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>