للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُلْكًا}، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْأَنَبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ.

قُلْت: ذَلِكَ لِوُثُوقِ الْأَنْبِيَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الْعِصْمَةِ مِنْ الذُّنُوبِ، وَأَيْضًا لَا يُعَارِضُ الثَّابِتُ فِي شَرْعِنَا مَا كَانَ فِي شَرْعِ غَيْرِنَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ فِي شَرْعِ يُوسُفَ - عليه السلام - سَائِغًا، وَأَمَّا سُؤَالُ سُلَيْمَانَ فَخَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاع؛ إذْ مَحَلُّهُ سُؤَالُ الْمَخْلُوقِينَ لَا سُؤَالُ الْخَالِقِ، وَسُلَيْمَانُ - عليه السلام - إنَّمَا سَأَل الْخَالِقَ (١).

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ، وَسَتكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَنِعْمَ الْمُرْضعَةُ وَبِئْسَتِ الْفَاطِمَةُ" (٢).

وعَنْ أَبِى مُوسَى - رضي الله عنه - قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أنا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّى فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ الله، أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ الله - عز وجل -، وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: " إِنَّا وَالله لَا نُوَلِّى عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ" (٣).

قال ابن حجر: قال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها؛ حتى سفكت الدماء، واستبيحت الأموال والفروج، وعظم الفساد في الأرض بذلك، ووجه الندم أنه قد يقتل، أو يعزل، أو يموت؛ فيندم على الدخول فيها؛ لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها، وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته.

قال: ويستثنى من ذلك من تعين عليه، كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره، وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع الأحوال.

قلت: وهذا لا يخالف ما فرض في الحديث الذي قبله من الحصول بالطلب أو بغير طلب؛ بل في التعبير بالحرص إشارة إلى أن مَنْ قام بالأمر عند خشية الضياع يكون كمن أعطى بغير سؤال لفقد الحرص غالبًا عمن هذا شأنه، وقد يغتفر الحرص في حق مَنْ تعين عليه لكونه يصير واجبًا عليه (٤).


(١) نيل الأوطار (٩/ ١٣١).
(٢) أخرجه البخاري (٧١٤٨).
(٣) أخرجه البخاري (٧١٤٩)، مسلم (١٧٣٣
(٤) فتح الباري ١٣/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>