للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُظِلّهُمْ الله. . . وَالْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا عَقِب هَذَا: "أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُور. . ." وَغَيْر ذَلِكَ، وإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ مُنْعَقِد عَلَيْه، وَمَعَ هَذَا فَلِكَثْرَةِ الْخَطَر فِيهَا حَذَّرَهُ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهَا، وَكَذَا حَذَّرَ الْعُلَمَاء، وَامْتَنَعَ مِنْهَا خَلَائِق مِنْ السَّلَف، وَصَبَرُوا عَلَى الْأَذَى حِين اِمْتَنَعُوا (١).

فعن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، لَا تَسْأَلِ الإِمَارَةَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا" (٢).

قال الشوكاني: وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا أَنَّ طَلَبَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ مَكْرُوهٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْإِمَارَةِ الْقَضَاءُ وَالْحِسْبَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَأَنَّ مَنْ حَرَصَ عَلَى ذَلِكَ لَا يُعَانُ وَيُعَارِضُ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرَ الْبَابِ - يعني: حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ المسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ" (٣).

قَالَ الْحَافِظُ: وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُعَانُ بِسَبَبِ طَلَبِهِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ الْعَدْلُ إذَا وَلِيَ؛ أَوْ يُحْمَلَ الطَّلَبُ هُنَا عَلَى الْقَصْدِ وَهُنَاكَ عَلَى التَّوْلِيَةِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا كَانَ الطَّالِبُ مَسْلُوبَ الْإِعَانَةِ تَوَرَّطَ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ وَخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَةُ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ؛ رُبَّمَا كَانَ الطَّالِبُ لِلْإِمَارَةِ مُرِيدًا بِهَا الظُّهُورَ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالتَّنْكِيلَ بِهِمْ، فَيَكُونُ فِي تَوْلِيَتِهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ يُوسُفُ - عليه السلام -: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ}، وَقَالَ سُلَيْمانُ: {وَهَبْ لِي


(١) شرح صحيح مسلم للنووي (١٢/ ٢١٠).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٢٢)، مسلم (١٦٥٢).
(٣) ضعيف. أخرجه أبو داود (٣٥٧٥)، ومن طريقه البيهقي (١٠/ ٨٨) من طريق موسى بن نجدة، عن جده يزيد بن عبد الرحمن وهو أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذكره.
وهذا إسناد ضعيف. فيه: موسى بن نجدة؛ قال الذهبي: "لا يعرف"، وقال الحافظ: "مجهول"، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (١١٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>