للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شأنه في الإسلام؟ .

وأين يوجد في كتاب الله أن الذي لا يعرف تاريخه قبل الإسلام يجب الحط من شأنه، والانتقاص من مكانته، والشك فيما يروى من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ سبحانك هذا بهتان عظيم. (١)

[الوجه الثالث: أبو هريرة يحدثنا عن نفسه.]

يَقُولُ: نَشَأْتُ يَتِيمًا، وَهَاجَرْتُ مِسْكِينًا، وَكُنْتُ أَجِيرًا لابْنَةِ غَزْوَانَ بِطَعَامِ بطني وَعُقْبَةِ رجلي أَحْطِبْ لَهُمْ إِذَا نَزَلُوا، وَأَحْدُو لَهُمْ إِذَا رَكِبُوا، فَالحمْدُ للهَ الذي جَعَلَ الدِّينَ قِوَامًا، وَجَعَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِمَامًا. (٢) وفي الإصابة أن بسرة هذه أخت عتبةَ بن غزوان السلمي، وبلاد دوس بعيدة جدًّا عن بلاد بني سليم فيظهر أن أبا هريرة في هجرته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مر ببلاد بني سليم أو قريبًا منها، فوجد رفقة راحلين نحو المدينة وفيهم بسرة، فصحبهم على أن يخدمهم في الطريق ويطعموه ويعقبوه.

ولا يدفع هذا ما ثبت من قوله: لمَّا قَدِمْتُ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - قُلْتُ في الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

وَأَبَقَ غُلَامٌ لي في الطَّرِيقِ، فَلَمّا قَدِمْتُ عَلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - فَبَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلامُكَ". فَقُلْتُ هُوَ لِوَجْهِ الله تَعَالَى، فَأَعْتَقْتُهُ. (٣)

فقد يكون الغلام أَبِق منه قبل صحبته للرفقة، وبهذا تبين أن في القصة منقبتين له:


(١) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي (٣٢٢)، أبو هريرة راوية الإسلام (٢١٧: ٢١٦).
(٢) حسن لغيره؛ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير ٣/ ٥٤، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٤/ ٢٤٣، وابن ماجه في السنن (٢٤٤٥)، وأبو نعيم في الحلية ١/ ٣٧٩، والبيهقي في السنن الكبرى ٦/ ١٢٠، وفي شعب الإيمان (٤٥٧٦) من طرق عن سليم بن حيَّان سمعت أبى يقول سمعت أبا هريرة به. وهذا إسناد فيه حيان بن بسطام ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ولم يذكر له جرح ولا تعديل، وأخرجه ابن حبان في الصحيح (١٦/ ١٠٠) من طريق ابن علَيَّةَ يعني عن الجُرَيْرِيِّ عَنْ مُضَارِبِ بْنِ حَزْنٍ عن أبي هريرة بمعناه وهذا إسناد صحيح يتقوى به الإسناد الأول.
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (١٤٩٤١)، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٤/ ٢٣٤ من طرق عن محمد هو ابن سيرين عن أبي هريرة به مطولًا. قال البوصيري في "زوائده" ص ٣٣٣ (٨١٨): هذا إسناد صحيح موقوف، حبان هو ابن بسطام ذكره ابن حبان في (الثقات)، ووثقه الدارقطني، والذهبي وغيرهم، وباقي رجال الإسناد أثبات.
(٣) البخاري (٤٣٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>