للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فهذه أوجه تخص طبيعة النص القرآني، وما سيأتي من الوجوه تتحدث عن الظروف التي أحاطت بالنص القرآني الكريم وحالت دون جمعه.

الوجه السادس: إن المدة بين آخر ما نزل وبين وفاته - صلى الله عليه وسلم - قصيرة جدًا.

من أسباب عدم جمع القرآن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المدة بين نزول آخر ما نزل، وبين وفاته - صلى الله عليه وسلم - قصيرة جدًا، وعلى رأي أكثر العلماء أن قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)} [البقرة: ٢٨١] هو آخر ما نزل. (١) وقد انتقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جوار ربه بعد نزولها بتسع ليال فالمدة إذا قصيرة، ولا يمكن جمعه قبل تكامل النزول. (٢)

[الوجه السابع: أن جمع القرآن زمن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - قد كان له ما يدعو إليه.]

يقول الزرقاني: وإنما لم يجمع القرآن في صحف ولا مصاحف لاعتبارات. . . أنه لم يوجد من دواعي كتابته في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر - رضي الله عنه - حتى كتبه في صحف، ولا مثل ما وجد على عهد عثمان - رضي الله عنه - حتى نسخه في مصاحف.

فالمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والإسلام لم يستبحر عمرانه بعد، والفتنة مأمونة، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة، وأدوات الكتابة غير ميسورة، وعناية الرسول باستظهار القرآن تفوق الوصف وتُوفي على الغاية حتى في طريقة أدائه على حروفه السبعة التي نزل عليها (٣).

ثم كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرهم يستفتونه في كل ما يهمهم من أمرهم.

[الوجه الثامن: مواد الكتابة في ذلك العهد لم تكن متوفرة، والموجود منها عسر الاستعمال.]

إنَّ لمواد الكتابة عامل في تيسير جمع المكتوب من القرآن في مكان أو في مصحف واحد، وكان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعملون في كتابة القرآن كل ما توفر في بيئتهم وتيسر لهم من أدوات الكتابة.


(١) انظر شبهة حول آخر ما نزل من القرآن.
(٢) التبيان في علوم القرآن للصابوني (٥٥).
(٣) مناهل العرفان للزرقاني ١/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>