للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخبار، فلا يسفك دمه، ولا ينتهك عرضه، ولا يؤخذ ماله، ويكون له ما للمسلمين، وعليه ما على المسلمين.

[لكن هناك نوعان من الأمان أو من الذمة]

النوع الأول: الذمة الخاصة، وهي التي تكون لأفراد الناس؛ كأن يستجير مشرك، أو كافر بمسلم، فيقول له: أنا في جوارك، وفي أمانك، وفي ذمتك، فإن قال له: أنت في ذمتي، فحينئذ يكون هذا الجوار، والأمان خاصًا، فعلى المسلم أن يؤمنه حتى يسمع كلام اللَّه، فإذا قبل الإسلام فالحمد للَّه، وإذا لم يقبل أبلغه مأمنه، قال اللَّه تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} (التوبة: ٦) فهذا يسمى بالذمة الخاصة، أو العهد الخاص، أو الأمان الخاص، وقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، وهم حرب على من سواهم" (١) فهذا الحديث الصحيح يدل على أن الكافر إذا دخل في جوار مسلم واحد فإنه في جوار المسلمين كلهم، ولا يجوز لأحد أن يتعرض له بسوء حتى يسمع كلام اللَّه، أو يُبْلَغ مأمنه، ولذلك ثبت في الصحيح أنه لا دخل المشرك على أم هانىء وهي امرأة واستجار بها، وأراد علي قتله انطلقت إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فوجدته يغتسل، فقال: من؟ قالت: أم هانىء، قال: مرحبًا بأم هانىء، فقالت: يا رسول اللَّه! زعم فلان أنه قاتل فلانًا وقد أجرته، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء" (٢)، فدل هذا على أن ذمة المسلمين واحدة، وأن العهد إذا أخذ من مسلم لكافر فهو عهد على جميع المسلمين لا يجوز لأحد أن ينقضه، أو ينكثه، حتى يكون الكافر على بينة.

النوع الثاني: الذمة العامة التي تكون مؤبدة، والفرق بينهما: أن الذمة الأولى خاصة مؤقتة، أما الذمة التي نبحثها هنا فهي الذمة العامة المؤبدة، أي: التي تبقى إلى الأبد، فإذا أراد المسلمون فتح مدينة، وقالوا لأهلها: أسلموا فقالوا: لا نريد الإسلام، فقيل لهم:


(١) جزء من حديث أخرجه البخاري (٦٧٥٥)، ومسلم (١٣٧٠) عن علي بنحوه.
(٢) أخرجه البخاري (٣١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>