للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مزمار الشيطان، ويحتمل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور وفيه نظر. قيل: والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد، وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي، فلا يبقى فيه مكان لغيره، ولما كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا متداركة وقع التشبيه به دون غيره من الآلات (١).

[٣ - شبهة نزول الوحي في ثوب عائشة.]

[نص الشبهة]

كيف ينزل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في ثوب عائشة، أو في لحافها مخاطبًا أم سلمة - رضي الله عنها - كما في الحديث: "لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ فَإِنَّ الْوَحْيَ لَمْ يَأْتِني وَأَنَا فِي ثَوْبِ امْرَأَةٍ إِلَّا عَائِشَةَ".

وفي لفظ: فَإِنَّهُ وَالله مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا" (٢)

والجواب من وجوه:

الوجه الأول: حرف في بمعنى على. نعلم أولًا أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، والسنة تفسر بعضها بعضًا، والسنة أيضًا تفسر القرآن كما كان يفعل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحرف (في) هو الذي يسبب اللبس عند البعض بسبب ضعفهم اللغوي، فقد قال فرعون عن السحرة: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١]، ومن الطبيعي ألا يقول عاقل: إن السحرة صلبهم فرعون في داخل النخل، بل (في) هنا تعني على النخل.

[الوجه الثاني: كلمة لباس تطلق على الرجل والمرأة.]

أطلق القرآن على النساء والرجال لفظ لباس: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: ١٨٧]، ولا يعني هذا أن المرأة قميص للرجل أو أن الرجل قميص للمرأة؛ بل إن لفظ (لباس) بمعنى الستر كما تستر الملابس الجسد؛ فإن المرأة تستر زوجها من الزنا والمعاصي، وكذلك الرجل يستر على زوجته ويعفها.

الوجه الثالث: الرواية الأخرى تبين المعنى الصحيح.


(١) فتح الباري ١/ ٢٠.
(٢) البخاري (٢٥٨١)، (٣٧٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>