للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فنونه، وأهم ما يؤديه التكرار من الناحية الدينية هو: تقرير المكرر وتوكيده، وإظهار العناية به؛ ليكون في السلوك أمثل، وللاعتقاد أبين.

أما الناحية الأدبية: فإن دور التكرار فيها متعدد، وإن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدى إلى تأكيد المعاني، وإبرازها في معرض الوضوح والبيان (١).

[الوجه الثالث: التكرار في سورة الرحمن.]

وفي الدرر والغرر لعلم الهدى سيد المرتضي: التكرار في سورة الرحمن إنما حسن؛ للتقرير بالنعم المختلفة المعددة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها؛ وبخ على التكذيب بها، كما يقول الرجل لغيره: ألم أحسن إليك بأن خولتك في الأموال؟ ألم أحسن إليك بأن فعلت بك كذا وكذا؟ فيحسن فيه التكرير؛ لاختلاف ما يقرر به (٢).

قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}، فإنها تكررت نيفًا وثلاثين مرة، كل واحدة تتعلق ربما قبلها، ولذلك زادت على ثلاثة، ولو كان عائدًا على شىء واحد لماذا زاد على ثلاثة؟ لأن التأكيد لا يزيد عليها، قاله ابن عبد السلام وغيره، وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكر النعمة للتحذير نعمة، وقد سئل أي نعمة في قوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}؟ فأجاب بأجوبة أحسنها: النقلة من دار الهموم إلى دار السرور، وإراحة المؤمن من الكافر، والبار من الفاجر، فالتكرير -وهو أبلغ من التأكيد- وهو من محاسن الفصاحة، خلافًا لبعض من غلط.

وله فوائد منها: التقرير، وقد قيل: إن الكلام إذا تكرر تقرر، ومنها: التأكيد، ومنها: التنبيه، ومنها: إذا طال الكلام وحش؛ تناسى الأول، أعيد ثانيًا، نظرية له وتجديدًا لعهده، ومنها: التعظيم والتهويل، ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين فيقع التكرير للطول، ومنه ما كان لتعدد المتعلق، بأن يكون المكرر ثانيًا متعلقًا بغير ما تعلق به الأول، وهذا القسم يسمى بالترديد (٣)، ومن مثاله ما وقع بسورة الرحمن.


(١) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (٧٧) (المجلس الأعلى للشئون الإسلامية)، أيضا مقدمة التكرار في القرآن ضمن هذه الموسوعة.
(٢) روح المعاني للآلوسي (٢٧/ ٩٧).
(٣) معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي (١/ ٣٤١) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>