للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

برجله، فقال: "أين فلان وفلان؟ " قالا: نحن ذا يا رسول الله قال: "انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، " فقالا: يا نبي الله غفر الله لك! من يأكل من هذا؟ قال: "فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل الميتة، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها" (١).

[الوجه الثاني: العلة من انفراد ابن عباس بهذه اللفظة.]

فكما هو معلوم أن هذا الحديث ورد عن عدد من الصحابة كما سبق بيانه، وهذه اللفظة لم تصح إلا من رواية ابن عباس، ولم تصح عن ابن عباس إلا من طريق عكرمة، وهذا يدل على: أن الأصل في هذا الكلام عند الصحابة هجرانه، لا التلفظ به، إلا لضرورة، كما جاء في الرواية، لأن الأصل العام في هذا هو الحياء، وربما كان هناك أمر آخر، وهو: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما تلفظ بهذه الكلمة اقترب من ماعز، وخفض صوته، فلم يسمعه إلا ابن عباس.

[الوجه الثالث: الفهم الصحيح للحديث]

لكي نفهم هذه الكلمة في هذا الحديث الفهم الصحيح لابد أن توضع بين أصلين كبيرين من أصول هذه الشريعة الغراء.

الأصل الأول: منهج القرآن والسنة في التعبير عن اتصال الرجل بالمرأة وبيان أن عباراته في ذلك تفيض أدبا وحياءً.

الأصل الثاني: منهج الإسلام في المحافظة على النفس المسلمة، وبيان أنه لا يسارع في سفكها، ولو أدى إلى النطق بمثل هذه الكلمة.

أما الأصل الأول: فبالمثال يتضح المقال، وهذه عدة أمثلة تبين منهج القرآن والسنة في التعبير عن علاقة الرجل بالمرأة.

[١ - التعبير عن الجماع بكلمة الرفث والمباشرة كما في هذه الآية.]

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٣٣٤٠). عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، عن عبد الرحمن بن الصامت، عن أبي هريرة به، وسيأتي تخريجه والحكم عليه في آخر هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>