للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضرورة مجهول المعنى. لأن ذلك تأباه حكمة الله تعالى، وقد قال تعالى عن كتابه: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١)} (هود: ١).

هذه دلالة السمع والعقل عن علمنا بمعاني نصوص الصفات (١)، وما أحسن كلمة الإمام مالك لما سئل عن كيفية الاستواء فقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

الأساس السادس: ترك البحث في حقيقة الذات الإلهية والصفات التي تستحقها.

إنَّ ذات الله تبارك وتعالى ليس كمثلها شيء، وكذلك صفاته تبارك وتعالى، فالكلامُ في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإذا كانت الذات لا يعلم كنهها وحقيقتها، فكذلك الصفات لا يعلم كنهها وحقيقتها، ومصداق ذلك في كتاب الله تعالى قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (الشورى: ١١).

ومن هنا منع الذين فقهوا المنهج القرآني السؤال عن الله وصفاته بكيف، لأن حقيقة الذات والصفات لا يمكن أن تعلم، فلا يقال كيف الله؟ ولا كيف استوى؟ ولا كيف علمه وسمعه وبصره؟ وهذا لا يعني نفي الصفة وقد أشار الحق إلى هذه الحقيقة بقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (طه: ١١٠)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} (البقرة: ٢٥٥). فرؤية الله في الآخرة ممكنة، ولكن الإحاطة بالله منفية، وإدراك معنى العلم ممكن، ولكن الإحاطة بعلم الله غير ممكنة.

وقد نهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن التفكر في ذات الله، وأمر بالتفكر في خلق الله، ففي الحديث: "لا تفكروا في الله وتفكروا في خلق الله" (٢).

وفي الحديث الآخر: "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله" (٣).


(١) القواعد المثلى (٤٣).
(٢) رواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٦٧)، وقال الألباني: حسن. صحيح الجامع (٢٩٧٦).
(٣) رواه البيهقي في شعب الإيمان (١٢٠)، والطبراني في الأوسط (٦٣١٩)، وأبو الشيخ في العظمة (١)، والهروي في دلائل التوحيد (١/ ٩٠/ ٣٨)، وقال الألباني: وهذا إسناده حسن في الشواهد الصحيحة (١٧٨٨). =

<<  <  ج: ص:  >  >>