للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويبين هذا المعنى تمام الحديث، حيث جادت لها بليلتها، وهذا لا تقوى عليه إلا النفوس القوية الكريمة.

الوجه الثالث: ويحتمل أن يكون المراد: حدة، أي: صحة، وقوة، وسلامة، عقل، ورأي، فعند ذلك تمنت عائشة أن تكون هي وسودة امرأة واحدة، فلما كبرت سودة فعلت أمرًا أشبه ما تمنته عائشة، حيث وهبت ليلتها لعائشة. والله أعلم.

الوجه الرابع: ويحتمل أن يكون المراد بالحدة: قوة البصر كَنَّتْ به عن قوة البصيرة وبُعد النظر في الرأي؛ لأنها آثرت ما يحبه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ما تحبه هي، فوهبت ليلتها لعائشة مع أنها حتما تحب القرب من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو كانت مسنة، فوصفتها عائشة لذلك بقوة البصيرة التي كَنَّتْ عنها بقوة البصر الذي من معانيه الحدة. والله أعلم.

وأما قولها: فيها حسد. فقد قال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن سمية، عن عائشة أنها كانت تقول: ما من الناس امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة إلا أنها امرأة فيها حسد. (١)

والرد على ذلك من وجوه:

الوجه الأول: قال الألباني -رحمه الله-: لعله محرف من (حدة). (٢)

الوجه الثاني: هذا اللفظ منكر، لأنه تفردت به سمية البصرية عن عائشة، وخالفها عروة بن الزبير كما أخرجه مسلم. (٣) وسمية لم أجد فيها جرحًا ولا تعديلًا.

وقال الحافظ: مقبولة. (٤) وكما هو منهج الحافظ في التقريب أن الراوي المقبول يعني: حيث يتابع، وسمية لم تتابع بل خولفت من عروة بن الزبير عن خالته.

الوجه الثالث: آخرُ الحديث يردُّ أولَه؛ إذ كيف تتمنى أن تكون معها ثم تصفها


(١) الطبقات الكبرى (٨/ ٥٤).
(٢) السلسلة الصحيحة (٤/ ٥٣).
(٣) مسلم (١٤٦٣).
(٤) تهذيب التهذيب (٢٨١٨)، الكاشف (٧٠١٧)، لسان الميزان (٥٩١٣)، التقريب (٨٦١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>