للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان المراد نفي علمه، ومع هذا فقد روى غير مسلمٍ حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكر منهم المازري خمسة عشر صحابيًا، وثبت في الصحيح أنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن، وكانت اليمامة قريبا من وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ فكيف الظن بمن لم يقتل ممن حضرها ومن لم يحضرها وبقي بالمدينة أو بمكة أو غيرهما؟ (١).

الوجه التاسع: هذا الخبر ليس على ظاهره.

لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة الذين يبعد كل البعد أنهم لم يجمعوه، مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بهم ونحن نرى أهل عصرنا حفظه منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن وما سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف نظن بهم إهماله؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد يجمع القرآن إلا الأربعة المذكورون. (٢)

قال المازري: وأنَّا نعلم أن القرآن كان عندهم من البلاغة بحيث هو، وكان الكافرون في الجاهلية يعجبون من بلاغته، ويحاورون فيها حتى ينسبونها تارة إلى السحر، وتارة إلى أساطير الأولين، ونحن نعلم من عادة العرب شدة حرصها على الكلام البليغ وتحفظها له، ولم يكن لها شغل ولا صنعة سوى ذلك. فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى هذا الذي ذكرناه لكان أول الدلائل على أن الخبر ليس على ظاهره. (٣)

الوجه العاشر: أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره، فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل


(١) شرح النووي على مسلم ٨/ ٢٥٧، وانظر المعلم ٢/ ٣٤٤، فضائل القرآن لابن كثير صـ ٩٣.
(٢) شرح النووي على مسلم ٨/ ٢٥٧، وانظر المعلم ٢/ ٣٤٤.
(٣) المعلم بفوائد مسلم ٢/ ٣٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>