للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقطة، وكان مثلها كمثل دوحة عظيمة كانت أمم العالم في حين من الأحيان تستظل بظلها الوارف، ولم يبق منها إلا الجذع الذي لا يزداد كل يوم إلا ذبولًا.

ويقول مؤلفو تاريخ العالم للمؤرخين: إن المدن العظيمة التي أسرع إليها الخراب ولم تسترد مجدها وزهرتها أبدًا، تشهد بما أصيبت به الدولة البيزنطية في هذا العهد من الانحطاط الهائل الذي كانت نتيجته المغالاة في المكوس والضرائب والانحطاط في التجارة، وإهمال الزراعة، وتناقص العمران في البلدان. (١)

ثالثا: حالة الفرس: أما فارس فكانت تقاسم مملكة الروم حكم العالم المتمدن، ولكن كانت الحالة الأخلاقية متدهورة إلى حد بعيد، وقد انتشرت عندهم عادة نكاح المحارم وغيرها من الفعال القبيحة.

يقول البروفسور أرتهر كرستن سين أستاذ الألسنة الشرقية في جامعة كوبنهاجن بالدنمارك المتخصص في تاريخ إيران في كتابه إيران في عهد الساسانيين: إن المؤرخين المعاصرين للعهد الساساني مثل جاتهياس وغيره، يصدقون بوجود عادة زواج الإيرانيين بالمحرمات، ويوجد في تاريخ العهد الساساني أمثلة لهذا الزواج، فقد تزوج بهرام جوبين وتزوج جشتسب قبل أن يتنصر بالمحرمات (٢)، ولم يكن يعد هذا الزواج معصية عند الإيرانيين، بل كان عملًا صالحًا يتقربون به إلى الله، ولعل الرحالة الصيني هوئن سوئنج أشار إلى هذا الزواج بقوله: إن الإيرانيين يتزوجون من غير استثناء. (٣)

وظهر "ماني" في القرن الثالث المسيحي، ودعا إلى حياة العزوبة لحسم مادة الشر والفساد من العالم؛ فحرم النكاح استعجالًا للفناء وانتصارًا للنور على الظلمة بقطع النسل.

ثم ثارت روح الطبيعة الفارسية على تعاليم ماني المجحفة، وتقمصت دعوة مزدك الذي ولد ٤٨٧ م فأعلن أن الناس ولدوا سواء لا فرق بينهم، فينبغوا أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم.


(١) نقلا عن: ماذا خسر العالم (ص ٤٦).
(٢) إيران في عهد الساسانيين: ترجمة الدكتور محمد إقبال (ص ٤٣٩).
(٣) المصدر السابق (ص ٤٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>