للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الزخرف: ٨١) وقوله تعالى: {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ} (الأنعام: ٣٥) وينبغي أن يكون المراد الاستدلال على حقيقة المنزلة والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر، وأن القرآن مصدق لها.

ومحصل ذلك أن الفائدة: دفع الشك إن طرأ لأحد غيره - صلى الله عليه وسلم - بالبرهان.

أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته - صلى الله عليه وسلم - وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول عليه - صلى الله عليه وسلم - وزيادة تثبيته، وليس الغرض إمكان وقوع الشك له - صلى الله عليه وسلم - أصلًا، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - حين جاءته الآية على ما أخرج عبد الرزاق. وابن جرير عن قتادة: "لا أشك ولا أسأل". (١)

[الوجه التاسع: أن الله علم أنه لم يشك، ولكنه أراد منه أن يصرح بنفي الشك عند نزول هذه الآية.]

ويقول: "يا رب لا أشك ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب بل يكفيني ما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة" ونظيره قوله تعالى للملائكة: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} (سبأ: ٤٥) والمقصود أن يصرحوا بالجواب الحق ويقولوا: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}. (٢)

الوجه العاشر: هو أن محمدًا عليه - صلى الله عليه وسلم - كان من البشر، وكان حصول الخواطر المشوشة والأفكار المضطربة في قلبه من الجائزات، وتلك الخواطر لا تندفع إلا بإيراد الدلائل وتقرير البينات، فهو - عز وجل - أنزل هذا النوع من التقريرات، حتى أن بسببها تزول عن خاطره تلك الوساوس، ونظيره قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} (هود: ١٢) وتمام التقرير في هذا الباب أن قوله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} فافعل كذا وكذا، قضية شرطية، والقضية الشرطية لا إشعار فيها ألبتة بأن الشرط وقع، أو لم يقع، ولا بأن الجزاء وقع أو لم يقع، بل ليس فيها إلا بيان أن ماهية ذلك الشرط مستلزمة لماهية ذلك


(١) روح المعاني سورة يونس، وانظر البحر المحيط لأبي حيان سورة يونس آية (٩٤).
(٢) تفسير الرازي ١٧/ ١٦١ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>