للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الراغب الأصفهاني: السعي المشي السريع، وهو دون العدو، ويستعمل للجد في الأمر خيرًا كان أو شرًا، قال تعالى: {وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: ١١٤].

{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٠٥] {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: ١٩]، وجمع الأمرين الخير والشر {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠)} [النجم: ٣٩ - ٤٠] وهو ما تشهد له اللغة، كما في قول زهير بن أبي سلمى: سعى ساعيًا غيظ ابن مرة بعدما تبزل ما بين العشيرة بالدم. (١)

قال الزجاج: أَصلُ السَّعْيِ في كلام العرب: التصرُّف في كل عَمَلٍ. . . ومعنى قوله: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فاقْصِدُوا، والسَّعْيُ الكَسْبُ وكلُّ عملٍ من خير أَو شرٍّ سَعْي. (٢)

وبالنظر إلى هذه الأقوال نجد أنها متقاربة ومتلازمة، وأنها تفصِّل لنا المقصود بالسعي في الآية الكريمة؛ فالعمل يشمل العمل القلبي -وهو القصد والنية- والعمل بالجوارح -وهو الإجابة للداعي- والذهاب والمضي إلى ذكر الله تعالى، ويؤيد ذلك كله اتساع معنى السعي في لغة العرب ليشمل التصرف في كل عمل والجد في طلبه.

وقد اتفق المفسرون قديمًا وحديثًا على هذه الآراء، ولم يقل أحد بأن المراد بالسعي هو الإسراع والجري، بل إن كل هذه الآراء لا تخرج عن معنى السكينة والوقار، كما أن جمهور فقهاء الأمصار على أن يمشي إلى الجمعة على هينة. (٣)

[الوجه الثاني: أقوال الفقهاء على استحباب المشي وعدم الإسراع.]

قال النووي: أن السنة أن يمشي إلى الجمعة بسكينة ووقار وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم (٤)


(١) أضواء البيان ٨/ ٢٨٠.
(٢) لسان العرب ٣/ ٢٠٢٠.
(٣) أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٤٤٥.
(٤) المجموع ٤/ ٥٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>