للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: الإجماع:

قال النووي: وَأَمَّا حُكْمه - صلى الله عليه وسلم - عَلَى مَنْ مَاتَ يُشْرِك بِدُخُولِ النَّار وَمَنْ مَاتَ غَيْر مُشْرِك بِدُخُولِهِ الْجَنَّة فَقَدْ أَجْمَع عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ. فَأَمَّا دُخُول الْمُشْرِك النَّار فَهُوَ عَلَى عُمُومه فَيَدْخُلهَا وَيَخْلُد فِيهَا وَلَا فَرْق فِيهِ بَيْن الْكِتَابِيِّ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَبَيْن عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَسَائِرِ الْكَفَرَةِ. وَلَا فَرْق عِنْد أَهْل الْحَقِّ بَيْنَ الْكَافِر عِنَادًا وَغَيْره، وَلَا بَيْن مَنْ خَالَفَ مِلَّة الْإِسْلَام وَبَيْن مَنْ اِنْتَسَبَ إِلَيْهَا. ثُمَّ حُكِمَ بِكُفْرِهِ بِجَحْدِهِ مَا يَكْفُر بِجَحْدِهِ وَغَيْر ذَلِكَ. وَأَمَّا دُخُول مَنْ مَاتَ غَيْر مُشْرِك الْجَنَّة فَهُوَ مَقْطُوع لَهُ بِهِ لَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِب كَبِيرَة مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا دَخَلَ الْجَنَّة أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَ صَاحِب كَبِيرَة مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا فَهُوَ تَحْت الْمَشِيئَة، فَإِنْ عُفِيَ عَنْهُ دَخَلَ أَوَّلًا وَإِلَّا عُذِّبَ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْ النَّار، وَخُلِّدَ فِي الْجَنَّة. (١)

[أقوال بعض الأئمة]

قال النووي: وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَب أَهْل السُّنَّة، وَمَا عَلَيْهِ أَهْل الْحَقّ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف، أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّة قَطْعًا عَلَى كُلّ حَال، فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنْ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ، وَالْمَجْنُون والَّذِي اِتَّصَلَ جُنُونه بِالْبُلُوغِ، وَالتَّائِب تَوْبَة صَحِيحَة مِنْ الشِّرْك، أَوْ غَيْره مِنْ الْمَعَاصِي، إِذَا لَمْ يُحْدِث مَعْصِيَة بَعْد تَوْبَته، وَالْمُوَفَّق الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا، فَكُلّ هَذَا الصِّنْف يَدْخُلُونَ الْجَنَّة، وَلَا يَدْخُلُونَ النَّار أَصْلًا، لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا عَلَى الْخِلَاف الْمَعْرُوف فِي الْوُرُود، وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمُرُور عَلَى الصِّرَاط وَهُوَ مَنْصُوب عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّم - أَعَاذَنَا الله مِنْهَا وَمِنْ سَائِر الْمَكْرُوه - وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَعْصِيَة كَبِيرَة، وَمَاتَ مِنْ غَيْر تَوْبَة فَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى: فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّة أَوَّلًا وَجَعَلَهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّل، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ الْقَدْرَ الَّذِي يُرِيدهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى، ثُمَّ يُدْخِلهُ الْجَنَّة، فَلَا يَخْلُد فِي النَّار أَحَد مَاتَ عَلَى التَّوْحِيد وَلَوْ عَمِلَ مِنْ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ. كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُل الْجَنَّة أَحَد مَاتَ عَلَى الْكُفْر وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَال الْبِرّ مَا عَمِلَ.

هَذَا مُخْتَصَر جَامِع لِمَذْهَبِ أَهْل الْحَقّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّة الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاع مَنْ يُعْتَدّ بِهِ مِنْ الْأُمَّة عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَة، وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوص تَحَصَّلَ الْعِلْم الْقَطْعِيّ. (٢)


(١) شرح صحيح مسلم (١/ ٣٧٤).
(٢) شرح صحيح مسلم (١/ ٢٥٦: ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>