للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - لما أنبأ آدمُ الملائكةَ بالأسماء وعلمهم ما لم يعلموا أمرهم ربهم بالسجود له؛ اعترافًا بفضل آدم وأداءً لحقه من الاحترام، واعتذارًا عما ظنوا من تفضيل أنفسهم عليه (١).

٢ - إظهارًا لما في نفس إبليس من سوء الطوية وإضمار الشر.

ثم إنه لا ينبغي أبدًا أن يساء الظن بالله، وأنه لم يسد على الخلق أبواب الشبهات، ولم يبين لهم الحق في مثل هذه الآيات، والحق في ذلك أن الله أعلم بالخلق من أنفسهم لما أخبر أولًا عن جعل الخليفة قال: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ} فناسب ذكر الربوبية من خلقه ورضيه ليجعله في الأرض خليفة وهنا في قوله: {اسْجُدُوا لِآدَمَ} والمقام مقام إيراد أمر يناسب العظمة فقال: {وَإِذْ قُلْنَا} فأضاف القول لنون العظمة؛ ليرسخ في أذهان السامعين الفرق بين عظمة الخالق وعظمة المخلوق، وليبين لهم أنه وإن كان في السجود لآدم تعظيم له فهذا لا يعدوا إلا أن يتناسب مع كونه تعظيم لمخلوق لا يداني أبدًا تعظيم الله جل وعلا، فلما أمر سبحانه بالسجود تكريمًا وتعظيمًا لغيره أشار إلى كبريائه وعظمته وغناه عن الشرك، ولأن القول هنا تضمن أمرا بفعل فيه غضاضة على المأمور وهو السجود لآدم فناسب إظهار عظمة الآمر، وأنه هو المستحق للعبادة دون ما سواه فهذا ليس بسجود عبادة؛ بل هو سجود تكريم واحترام وتعظيم. ولقد فهم الملائكة ذلك بل إنما حمل إبليس على عصيان الأمر والاستكبار أن فهم أن هذا السجود علته التكريم؛ فقال مخاطبًا ربه بعد أن طُرد من رحمته {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} (٢).

[الوجه الرابع: السجود في الكتاب المقدس!]

سجود إخوة يوسف له: (التكوين ٤٢/ ٦): وَكَانَ يُوسُفُ هُوَ الْمُسَلَّطَ عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ الْبَائِعَ لِكُلِّ شَعْبِ الأَرْضِ. فَأَتَى إِخْوَةُ يُوسُفَ وَسَجَدُوا لَهُ بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ.

(التكوين ٤٣/ ٢٦): فَلَمَّا جَاءَ يُوسُفُ إِلَى الْبَيْتِ أَحْضَرُوا إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ الَّتِي فِي أَيَادِيهِمْ إِلَى


(١) الخطيب الشربيني (١/ ٥٦).
(٢) تفسير الآلوسي (١/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>