للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول شيخ الإسلام: إن عائشة لم تخرج للقتال، وإنما خرجت بقصد الإصلاح بين الناس وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها، وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال فندم طلحة والزبير رضي اللَّه عنهم أجمعين (١).

ويقول الإمام القرطبي: لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا اللَّه عز وجل. . هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض -يشير إلى حديث أبي هريرة عند مسلم (٢) ونصه: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" (٣)، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانًا لم يكن بالقتل فيه شهيدًا. ومما يدل على ذلك ما قد صح وانتشر من إخبار عليّ بأن قاتل الزبير في النار، وقوله سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "بشر قاتل ابن صفية بالنار" -تقدم تخريجه-، وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا آثمين بالقتال -أي أنهما معذوران باجتهادهما- لأن ذلك لو كان كذلك، لم يقل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طلحة شهيد، ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار، وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم، والبراءة منهم، وتفسيقهم وإبطال فضائلهم وجهادهم -رضي اللَّه تعالى عنهم-.

وعلى ذلك إذا كان الصحابة رضوان اللَّه عليهم يجوز عليهم الخطأ كما يجوز على كل بشر، فحينئذ نستطيع أن نقبل ما يحدث في تصرفاتهم من أخطاء غير مقصودة، وإنما وقعت نتيجة اجتهاد لم يوفقوا فيه إلى الصواب، لكنهم مثابون على الإخلاص في اجتهادهم إن شاء اللَّه.


(١) منهاج السنة (٦/ ٣١٤ - ٣١٧، ٣٢١ - ٣٢٢) و (٦/ ٢٠٨، ٣٦٣).
(٢) مسلم (٤/ ١٨٨٠).
(٣) تفسير القرطبي (٨/ ٣٢١ - ٣٢٢) في تفسير سورة الحجرات، والترمذي (٥/ ٦٤٤)، وانظر: كتاب فضائل الصحابة للنسائي (١١٣)، وابن ماجة في فضائل طلحة (١/ ٤٦)، والأصفهاني في الإمامة (٣٧١ - ٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>