للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَهْلُ بَيْتِهِ، ٣٧ مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلَا يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلَا يَسْتَحِقُّنِي، ٣٨ وَمَنْ لَا يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلَا يَسْتَحِقُّنِي (متى ١٠/ ٣٤: ٣٨).

قد يفرق الالتزام المسيحي بين الأصدقاء والأحباء، ولم يكن الرب يسوع في قوله هذا يشجع عصيان الوالدين أو الصراع في البيت؛ بل بالحري أراد أن يبين أن وجوده يستلزم قرارًا، وحيث إن البعض سيتبعونه والبعض الآخر لن يتبعوه، فلا بد أن ينشب الصراع، فحالما نحمل صليبنا ونتبعه، فإن قيمنا وأخلاقياتنا وأهدافنا وغايتنا المختلفة لا بد أن تفصلنا عن الآخرين، يجب ألا تهمل عائلتك، كما يجب ألا تهمل دعوتك العليا؛ إذ يجب أن يكون لله الأولوية المطلقة في حياتك.

ويدعونا المسيح إلى رسالةٍ أسمى في الحصول على الراحة والهدوء في هذه الحياة؛ فمحبة العائلة وصية من وصايا الله، ولكن هذه المحبة يمكن أن تكون لخدمة الذات، ومبررًا لعدم خدمة الله أو إنجاز عمله، لكي نحمل صليبنا ونتبع المسيح يلزم أن نطرح عنا كل الهموم والأولويات الأخرى، فعندئذٍ فقط نبدأ فقط في تحقيق التزامنا للمسيح، يجب أن نستسلم تمامًا لله في استعداد كامل لمواجهة أي شيء، ولو كان الموت والألم من أجله. (١)

قلت: فإنه بقراءة شرح عبارة كتابهم المقدس يتطابق معنى الآية وتفسيرها في أنه يجب أن يكون لله الأولوية المطلقة في حياتك، فلا تؤثر محبة شيء في الدنيا على محبة الله - عز وجل -.

[الوجه الرابع: الفارق بين محبة الله - عز وجل - عند أهل الإسلام والنصارى.]

ولكن هناك فارق بين أهل الإسلام والنصارى في المراد من (محبة الله).

فعند أهل الإسلام: محبة الله هي توجب عبوديتَه وطاعتَه وتَتَبُّعَ مرضاته واستفراغَ الجهد في التعبد له والإنابةِ إليه، وهذا الباعث أكمل بواعث العبودية وأقواها حتى لو فُرِضَ تجرده عن الأمر والنهي والثواب والعقاب استفرغ الوسع واستخلص القلب للمعبود الحق. (٢)


(١) التفسير التطبيقي للكتاب المقدس (١٩٠٥: ١٩٠٦).
(٢) مفتاح دار السعادة لابن القيم (٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>