ثم إن هذا المدعي لو أنه قرأ كلام ابن حزم كاملًا لأراح نفسه وأراحنا، ولذا فإني أسأله: إذا كنت تحتج علينا بنقل ابن حزم، فلماذا لا تأخذه كله؟ أم أنك تحتج علينا بما نقل عن أبي حنيفة في مسألة غير مسألتك التي تتحدث فيها، وقد ردها عليه علماء الإسلام، فماذا بقي لك؟
[الوجه الرابع: لماذا انتقى صاحب الشبهة هذه العبارة من كتاب ابن حزم ليشنع بها وقد أوردها ابن حزم للرد عليها. وها هو شيء من كلام ابن حزم على هذه المسألة]
فقال: قالت طائفة: من تزوج أمه أو بنته أو حريمته، أو زنى بواحدة منهن فكل ذلك سواء وهو كله زنى، والزواج كله زواج. . . إذا كان عالمًا بالتحريم وعليه حد الزنى كاملًا، ولا يلحق الولد في العقد، وهو قول: الحسن، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأبي يوسف ومحمد بن الحسن؛ صاحبي أبي حنيفة، وقال أبو حنيفة: لا حدَّ عليه في ذلك كله، ولا حدَّ على من تزوج أمه التي ولدته وابنته وأخته وجدته وعمته وخالته وبنت أخيه وبنت أخته عالمًا بقرابتهن منه عالمًا بتحريمهن عليه ووطئهن كلهن فالولد لاحِقٌ به والمهر واجب عليه، وليس عليه إلا التعزير دون الأربعين فقط، وهو قول سفيان الثوري، فأما وطئهن بغير عقد نكاح فهو زنى عليه ما على الزاني من الحد.
وساق حجة أبي حنيفة وهي: أنه يفرق بين الزواج والزنى فلو قيل: زنى بأمه فعليه ما على الزاني، ولو قيل: تزوج أمه فالزواج غير الزنى فلا حد في ذلك؛ وإنما هو نكاح فاسد فحكمه حكم النكاح الفاسد من سقوط الحد وإلحاق الولد ووجوب المهر، وما نعلم لهم تمويهًا غير هذا، وهو كلام فاسد، واحتجاج فاسد، وعمل غير صالح.
وأما قوله: إن اسم الزنا غير اسم الزواج، فحق لا شك فيه إلا أن الزواج هو الذي أمر اللَّه به وأباحه، وهو الحلال الطيب والعمل المبارك، وأن كل عقد أو وطء لم يأمر اللَّه به ولا أباحه؛ بل نهى عنه فهو الباطل والحرام والمعصية والضلال، ومن سمى ذلك زواجًا فهو كاذبٌ آفكٌ متعدٍ، وليست التسمية في الشريعة إلينا ولا كرامة، إنما اللَّه تعالى قال:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}(النجم: ٢٣).