أما من سمى كل عقد فاسد ووطء فاسد وهو الزنى المحض زواجًا ليتوصل به إلى إباحة ما حرم اللَّه تعالى أو إلى إسقاط حدود اللَّه -تعالى-: فهو كمن سمي الخنزير كبشًا ليستحله بذلك الاسم، وكمن سمى الخمر نبيذًا أو طلاء ليستحلها بذلك الاسم، وكمن سمى البيعة والكنيسة مسجدًا، واليهودية إسلامًا، وهذا هو الانسلاخ من الإسلام ونقض عقد الشريعة، وليس في المحال أكثر من قول القائل: هذا نكاح فاسد وهذا ملك فاسد؛ لأن هذا كلام ينقض بعضه بعضًا، ولئن كان نكاحًا أو ملكًا فإنه لصحيح حلال؛ لأن اللَّه تعالى أحل الزواج والملك، وقال تعالى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(المعارج: ٣٠).
فما كان زواجًا أو ملك يمين فهو حلال طلق ومباح طيب ولا ملامة فيه ولا مأثم، وكل ما كان فيه اللوم والإثم فليس زواجًا ولا ملكًا مباحًا للوطء، ولا كرامة بل هو العدوان والزنى المجرد، لا شيء إلا فراش أو عهر حرام، فإن وجد لنا يومًا ما أن نقول: نكاح فاسد، أو زواج فاسد، أو ملك فاسد، فإنما هو حكاية أقوال لهم وكلام على معانيهم كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٢)} (الشورى: ٤٠).
ثم قال: فصح من هذا أن كل عقد لم يأمر اللَّه به؛ فمن عقده فهو باطل، وإن وطئ فيه؛ فإن كان عالمًا بالتحريم عالمًا بالسبب المحرم فهو زانٍ مطلق، ومن جهل التحريم في شيء من ذلك بأن لم تبلغه أو بتأويل لم تقم عليه الحجة في فساده؟ فهو معذور لا حد عليه، ومن قذفه فعليه الحد، كمن دخل بلدًا فتزوج من لا يعرفها فوجدها أمه أو ابنته، فهذا يلحق فيه الولد ولا يحد فيه حد بالإجماع وبهذا بطل قول أبي حنيفة المذكور.
ثم قال: فصح أن من وطئ من امرأة أبيه بعقد سماه نكاحًا أو بغير عقد كما جاءت ألفاظ الحديث المذكورة، فقتله واجب ولا بد، وتخميس ماله فرض، ويكون الباقي لورثته إن كان مسلمًا وللمسلمين إن كان ارتد.