للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ} وقال ابن عباس: لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ}؟ أي: كيف يضلون عن الحق، وهو ظاهر، ويعدلون إلى الباطل؟ (١)

الدليل الثالث عشر: فيه تنزيه الله تعالى عن مقالتهم: قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (التوبة: ٣١).

قال أبو السعود: اتخذوا زيادة تقرير لما سلف من كفرهم بالله تعالى أحبارهم، وهم: علماء اليهود ورهبانهم وهم: علماء النصارى من أصحاب الصوامع؛ أي اتخذ كل واحد من الفريقين علماءهم أربابًا من دون الله؛ بأن أطاعوهم في تحريم ما أحله الله تعالى وتحليل ما حرمه، أو بالسجود لهم، ونحوه تسمية اتباع الشيطان عبادة له في قوله تعالى: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} (مريم: ٤٤)، وقوله تعالى: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}.

قال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي عنقي صليب من ذهب، وكان إذ ذاك على دين يسمى الركوسية -فريق من النصارى- وهو يقرأ سورة براءة، فقال يا عدي! اطرح هذا الوثن فطرحته فلما انتهى إلى قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} قلت يا رسول الله: لم يكونوا يعبدونهم فقال - صلى الله عليه وسلم - أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه؟ فقلت بلى.

قال: ذلك عبادتهم. قال الربيع قلت لأبي العالية: كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل؟

قال: إنهم ربما وجدوا في كتاب الله تعالى ما يخالف أقوال الأحبار؛ فكانوا يأخذون بأقوالهم ويتركون حكم كتاب الله. والمسيح ابن مريم، عطف على رهبانهم؛ أي: اتخذه النصارى ربًا معبودًا بعد ما قالوا: إنه ابنه -تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا- وتخصيص الاتخاذ به، يشير إلى أن اليهود ما فعلوا ذلك بعزير، وتأخيره في الذكر، مع أن اتخاذهم له - صلى الله عليه وسلم - ربًّا


(١) تفسير ابن كثير سورة التوبة آية (٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>