للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يومين آخرين، ثم دَحَى الأرض؛ ودَحْيُها: أن أخرج منها الماء والرعى، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {دَحَاهَا} وقوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فَخُلِقت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين، إن اللَّه لم يُرِدْ شيئًا إلا أصاب به الذي أراد، فلا يختلفن عليك القرآن، فإن كلا من عند اللَّه عز وجل. (١)

الوجه الثاني: كل مُجمل يفسره مُفصله إلا العدد فإن مُفصَّله محمول على مجمله.

يقول المشكك: إنه لو كانت هذه القصة لخلق للأرض والسموات لطابقت آية الإجمال آية التفصيل، ثم قال: لنفرض أن عندي عشرة أرادب من القمح، فأعطيت فلانًا خمسة، وآخر ثلاثة، وثالث اثنين، فبذلك ينفد ما عندي.

١ - فللرد عليه نقول: إن اللَّه يخاطب أناسًا لهم ملكة أداء وبيان وبلاغة وفصاحة، وقد فهم العرب ما لم يفهمه هذا المشكك.

قال السعدي: واعلم أن ظاهر هذه الآية مع قوله تعالى في النازعات، لما ذكر خلق السماوات قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)} يظهر منهما التعارض؛ مع أن كتاب اللَّه لا تعارض فيه ولا اختلاف.

والجواب عن ذلك ما قاله كثير من السلف: أن خلق الأرض وصورتها متقدم على خلق السماوات كما هنا، ودحي الأرض بأن: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢)} متأخر عن خلق السماوات كما في سورة النازعات، ولهذا قال فيها: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا} إلى آخره، ولم يقل: (والأرض بعد ذلك خلقها)، وقوله: {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} أي: الأمر والتدبير اللائق بها، الذي اقتضته حكمة أحكم الحاكمين (٢).

فلو أننا دققنا في الآية الكريمة التي يجادلون فيها لوجدنا بدايتها تختلف عن الآيات


(١) البخاري (٤٥٣٧).
(٢) تفسير السعدي (ص: ٧٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>