للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ويحتمل أن يكون ابن عباس أجاب بجوابين:

أحدهما: أن التسمية هي التي كانت وانتهت، والصفة لا نهاية لها.

والآخر: أن معنى كان الدوام؛ فإنه لا يزال كذلك.

ويحتمل أن يحمل السؤال على مسلكين والجواب على رفعهما كأن يقال: هذا اللفظ مشعر بأنه في الزمان الماضي كان غفورا رحيما مع أنه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم، وبأنه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ كان.

والجواب عن الأول: بأنه كان في الماضي يسمى به.

وعن الثاني: بأن كان تعطى معنى الدوام، وقد قال النحاة: كان لثبوت خبرها ماضيا دائما أو منقطعًا. (١)

[شواهد "كان" في أشعار العرب بمعنى الدوام والاستمرار.]

العرب أمة بليغة بلغت من البيان والفصاحة والتفنن في ألوان القول الغاية، ولذا جاء القرآن مخاطبًا لهم على ما تعودوه من المعاني، بل بأبلغ مما يستخدموه وتعودوا عليه.

وإذا كانت العرب قد استخدمت (كان) للدوام والاستمرار (وعدم الانقطاع للزمن الماضي) فإن استخدام القرآن لها على هذا النسق غير مخالف لسنن العربية، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين.

قال الشاعر:

وكنا إذا الجبار صعر خد ... أقمنا له من ميله فتقومًا (٢)

وقال آخر:

وكنت إذا جارى دعا لمضوفة ... أشمر حتى ينصف الساق مئزي (٣)


(١) فتح الباري لابن حجر ٨/ ٤٢٠ وما بعدها.
(٢) هذا البيت للمتلمس واسمه جرير بن عبد المسيح. ذكره ابن جرير في تفسيره ٢١/ ٧٤، وابن منظور في لسان العرب ٤/ ٤٥٦، وبنحوه طبقات فحول ٢/ ٣٦١.
(٣) هذا البيت في تهذيب اللغة ١٢/ ٢٠٣، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٧٠، الحيوان للجاحظ - باب حمام النساء وحمام الفراخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>