للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا يدل على أن بحيرى لا يصلح كمعلم يعلم تلميذه العقيدة الصحيحة، فكان من الأفضل للمربي أن يسأل تلميذه فيقول له هل أنت تحلف باللات والعزى؟ فإن قال: لا، فهو ما كان يرمي إليه بحيرى؟ .

المبدأ التعليمي السابق الذي ركن إليه بحيرى يختلف تمامًا عن المبدأ التعليمي الذي ركن إليه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لتعليم أصحابه، مما يؤكد أن محمدًا لم يتعلم على يد بحيرى، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينبه على خطأ يفعله أحد الصحابة فإنه ينهى عن ذلك بأسلوب صريح.

عَن ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنه - أَنَّهُ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي رَكْبٍ وَهْوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ، فَنَادَاهُمْ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَلَا إِنَّ الله يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِالله وَإِلَّا فَلْيَصْمُتْ". (١)

الوجه العاشر: إن اللقاء بين محمد - صلى الله عليه وسلم - وبحيرى لا يعدو الساعة أو الساعتين في كلا اللقاءين، ولو حدثت قصة في اللقاء لأثارت جدلًا في قريش.

ولو افترضنا جدلًا أنها وقعت؛ فإن اللقاء بينهما لا يعدو الساعة أو الساعتين، وعمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم - اثنتا عشرة سنة، ولو حدثت قصة في اللقاء لأثارت جدلًا في قريش. لكننا لا نجد صدًى لها مما يؤكد بطلانها. وماذا يتحمل صبي في الثانية عشر من عمره عن بحيرى؟ وقد اجتمع به بحضور قريش ساعة من زمان؟ . (٢)

عندما قابل النبي - صلى الله عليه وسلم - بحيرى كان عمره - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين، ومع جماعة من قومه، وفي أثناء تجارته بمال خديجة - رضي الله عنها -، ولم يفارقه غلامها ميسرة، فضلا عن بعد المسافة بين بصرى ومكة ولا يتم هذا في جلسة أو جلستين؛ بل حتى يعلمه النبوة كان من المفترض أن يكون ملازمًا له، فيكثر اللقاءات بينهما حتى يتم لهما ما ينبغي أن يُخططوا له.

الوجه الحادي عشر: يستحيل في مجرى العادة أن يتم إنسان على وجه الأرض تعليمه وثقافته في لقاءين ليجعله ذلك أستاذ العالم كله.


(١) البخاري (٦١٠٨).
(٢) مرويات السيرة النبوية بين قواعد المحدثين (صـ ٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>