للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أن رؤساءهم صدوهم عن ذلك وقبضوا على أيديهم في ذلك، كبني يربوع، فإنهم قد جمعوا صدقاتهم وأرادوا أن يبعثوها إلى أبي بكر، فمنعهم مالك بن نويرة من ذلك وفرّقها. (١)

الوجه الثامن: لو كان خالد يريد بقتل مالك أمرًا من أمور الدنيا من مال وشهوة لفعل به أبو بكر مثل ما فعل برجل يسمى الفجاءة.

قال ابن كثير: وقد كان الصديق حرق الفجاءة بالبقيع في المدينة، وكان سببه أنه قدم عليه فزعم أنه أسلم، وسأل منه أن يجهز معه جيشًا يقاتل به أهل الردة، فجهز معه جيشًا، فلما سار جعل لا يمر بمسلم ولا مرتد إلا قتله وأخذ ماله، فلما سمع الصديق بعث وراءه جيشًا فرده، فلما أمكنه بعث به إلى البقيع، فجمعت يداه إلى قفاه وألقي في النار فحرقه وهو مقموط. (٢)

[الوجه التاسع: موقف أبي بكر من خالد هو الأحكم، وبيان علة عدم إقامته للحد عليه.]

١ - فقد حدث من خالد موقفًا يُشبه ذلك في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-: وقد تقدم ذكره، قال ابن كثير: ومع هذا لم يعزله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل استمر به أميرًا وإن كان قد تبرأ منه في صنيعه ذلك وودى ما كان جناه خطأ في دم أومال ففيه دليل لأحد القولين بين العلماء في أن خطأ الإمام يكون في بيت المال لا في ماله، لهذا لم يعزله الصديق حين قتل مالك بن نويرة أيام الردة، وتأول عليه ما تأول (٣)، فقد قام الصديق بالتحقيق في مقتل ابن نويرة وانتهى إلى براءة ساحة خالد من تهمة قتل مالك بن نويرة، وأبو بكر في هذا الشأن أكثر اطلاعًا على حقائق الأمور، وأبعد نظرًا في تصريفها من بقية الصحابة، لأنه الخليفة وإليه تصل الأخبار، كما أنه أرجح إيمانًا من غيره.

٢ - قد اعترض عمر على أبي بكر من قبل في محاربة مانعي الزكاة، فبان رجحان رأي أبي بكر، وكذلك هنا قد اعترض عمر على أبي بكر في عدم قتل خالد فانتهى الأمر إلى سكوت عمر، فلو كان أبو بكر يقول غير الحق ما اجتمع الصحابة على رأيه لأن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- لا تجتمع على ضلالة. وهذا يُشبه ما حدث من أبي بكر في قتال مانعي الزكاة.


(١) أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- شخصيته وعصره (٤/ ٨٥).
(٢) البداية والنهاية (٦/ ٣٥٢).
(٣) البداية والنهاية (٤/ ٣٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>