للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النووي: كَانَ أمر اعتراض عُمَر -رضي الله عنه - في قتل مانعي الزكاة تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلَام قَبْل أَنْ يَنْظُر فِي آخِره وَيَتَأَمَّل شَرَائِطه فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر -رضي الله عنه-: إِنَّ الزَّكَاة حَقّ المُال، يُرِيد أَنَّ الْقَضِيَّة قَدْ تَضَمَّنَتْ عِصْمَة دَم وَمَال مُعَلَّقَة بِإِيفَاءِ شَرَائِطهَا. وَالحكْم المعَلَّق بِشَرْطَيْنِ لَا يَحْصُل بِأَحَدِهِمَا وَالْآخَر مَعْدُوم. ثُمَّ قَايَسَهُ بِالصَّلَاةِ وَرَدّ الزَّكَاة إِلَيْهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْله دَلِيل عَلَى أَنَّ قِتَال الممْتَنِع مِنْ الصَّلَاة كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ الصَّحَابَة ... فَلَمّا اِسْتَقَرَّ عِنْد عُمَر صِحَّة رَأْي أَبِي بَكْر -رَضِيَ الله عَنْهُمَا- وَبَانَ لَهُ صَوَابه تَابَعَهُ عَلَى قِتَال الْقَوْم. (١) فحُكم عمر على خالد واجهه أدلة قوية من أبي بكر، فقد حكم عمر أولًا بالرجم على خالد فكان عليه أن يتمسك بتلك التُهمة التي وجهها لخالد ولكن عندما ذكَّره أبو بكر بأن الحدود تُدفع بالشبهات ترك عمر تلك التُهمة وانصرف إلى أخرى، ولا ننسى عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ما فعله أبو بكر من تذكير عمر بأمر خفي عليه، فهذا الموقف يُشبه ذاك.

٣ - دعم أبي بكر للقيادة الميدانية: قدم أبو قتادة على أبي بكر ليشكوا إليه خالدًا فيما خالف فيه. فرأى أبو بكر أن فراق أبي قتادة لخالد خطأ لا ينبغي أن يرخص فيه له ولا لغيره؛ لأنه يكون سببًا للفشل والجيش في أرض العدو، فاشتد على أبي قتادة ورده إلى خالد، ولم يرض منه إلا أن يعود فينخرط تحت لوائه، وعمل أبي بكر من أحكم السياسات الحربية.

٤ - وقد قام الصديق بالتحقيق في مقتل ابن نويرة وانتهى إلى براءة ساحة خالد من تهمة قتل مالك بن نويرة، وأبو بكر في هذا الشأن أكثر اطلاعًا على حقائق الأمور، وأبعد نظرًا في تصريفها من بقية الصحابة، لأنه الخليفة وإليه تصل الأخبار، كما أنه أرجح إيمانًا منهم.

إن من كمال الصديق توليته لخالد واستعانته به، لأنه كان شديدًا ليعتدل به أمره، ويخلط الشدة باللين، فإن مجرد اللين يفسده، ومجرد الشدة تفسده، فكان يقوم باستشارة عمر وباستنابة خالد وهذا من كماله الذي صار به خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ولهذا اشتد في قتال أهل الردة شدة برَّز بها على عمر وغيره فجعل الله فيه الشدة ما لم يكن فيه قبل ذلك، وأما عمر فكان شديدًا في نفسه، فكان من


(١) شرح النووي على مسلم (١/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>