للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كماله -في خلافته- استعانته باللين ليعتدل أمره- فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة الثقفي، والنعمان بن مقرن، وسعيد بن عامر، وأمثال هؤلاء من أهل الصلاخ والزهد الذين هم أعظم زهدًا وعبادة من خالد بن الوليد وأمثاله، وقد جعل الله في عمر من الرأفة -بعد الخلافة- ما لم يكن فيه قبل ذلك، تكميلًا له، حتى صار أمير المؤمنين (١). قال ابن تيمية: وهكذا أبو بكر خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما زال يستعمل خالدًا في حرب أهل الردة، وفي فتوح العراق والشام وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى، فلم يعزله من أجلها، بل عاتبه عليها؛ لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه، لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين، ليعتدل الأمر، ولهذا كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يؤثر استنابة خالد -رضي الله عنه-، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يؤثر عزل خالد، واستنابة أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه-؛ لأن خالدًا كان شديدًا، كعمر بن الخطاب، وأبا عبيدة كان لينًا كأبي بكر، وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من ولاه، ليكون أمره معتدلًا، ويكون بذلك من خلفاء رسول الله الذي هو معتدل، حتى قال النبي: "أنا نبي الرحمة، أنا نبي الملحمة". (٢)

٥ - درء الحدود بالشبهات: قال ابن تيمية: فشروط الاستيفاء لم توجد في قتل قاتل مالك بن نويرة لوجود الشبهة في ذلك والحدود تدرأ بالشبهات، فعذر أبي بكر -رضي الله عنه- في ترك قتل قاتل مالك بن نويرة أقوى من عذر علي -رضي الله عنه- في ترك قتل قتلة عثمان -رضي الله عنه-. (٣) وذلك كما بينَّاه من اعتقاد خالد كُفرَ مالك بن نويرة.

٦ - إقرار أبي بكر على أن خالدًا حاول أن يجتهد ويتأول في ذلك، لا أنه فعله عن عمد وبدون نظر.


(١) أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- شخصيته وعصره (٤/ ٨٩).
(٢) السياسة الشرعية (١/ ٢٩).
(٣) منهاج السنة النبوية (١/ ٣٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>