٧ - لو كان أبو بكر متواطئًا لأخذ قراراته بدون أن يُناقشه أحد: فالبعض ظن أن أبا بكر متواطئ مع خالد لعدم تنفيذ رأي عمر: مع أن رواية حديث عمر لأبي بكر تُبيّن مدى سماحة أبي بكر في أنه هو الخليفة يستطيع أن يأخذ القرارات دون الرجوع لعمر أو غيره من الصحابة، ومع ذلك سمح لعمر أن يعترض عليه وكلما هنالك أن أبا بكر وقف موقف المدافع لا الحاكم، فلو كان متواطئًا لأخذ قراراته بدون أن يُناقشه أحد، ولو علم عمر بأن أبا بكر متواطئ مع خالد ما سكت عن التمسك بالحق مهما كلَّفه ذلك ولراجع أبا بكر مراتٍ عديدة كما راجعه من قبل في أمر جمع القرآن حتى شرح الله قلب أبي بكر لذلك، فلقد شنع الكثير من أهل الأهواء والفتن على أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في إرساله خالد بن الوليد -رضي الله عنه- في الحروب، لقتل الناس، واستباحة أموالهم كما يقال زورا وبهتانًا، والصحيح أن أبا بكر -رضي الله عنه- لم ينفرد بإرسال خالد -رضي الله عنه- لقيادة الجيوش، بل كان ممن سبقه بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- خالدًا -رضي الله عنه- وبعثه في عدة معارك لنشر الإسلام، كبعثه إلى الطائف، وأهل اليمن، والعزى، والبحرين، ودومة الجندل، وغيرها كثير، ومع تلك البعثات العظيمة التي يُرسل إليها خالد -رضي الله عنه- من قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره من الخلفاء، فإننا نجد من يطعن في ذلك الصحابي الجليل بإظهار زلاته والكذب عليه، وإخفاء حسناته، بقصد تشويه تاريخه ومكانته عند النبي -صلى الله عليه وسلم-.
٨ - موقف أبي بكر موقف وسط عدل: حيث أنه لم يُشدد على خالد ولم يتغاضى عما حدث تمامًا، بل إنه اعترف بأن هناك أمر حدث خطأً ولكنه بدون تعمد للخطأ. (١)
قال ابن تيمية: وإذا قالوا: عمر أشار على أبي بكر بقتل خالد، وعلي أشار على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر، قيل: وطلحة والزبير وغيرهما أشاروا على عليّ بقتل قتلة عثمان مع أن الذين أشاروا على أبي بكر بالقود أقام عليهم حجة سلموا لها إما لظهور الحق معه وإما لكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، وعليّ لما لم يوافق الذين أشاروا عليه بالقود جرى بينه وبينهم من الحروب ما قد علم، وقتل قتلة عثمان أهون مما جرى بالجمل وصفين، فإذا كان
(١) تاريخ خليفة (١/ ٦٨)، قال: حدثنا علي بن محمد، عن أبي ذئب، عن الزهري به.