للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}، وبهذا اطمأن الرسول ثقة بأن الله قد تكفل له بأن يجمع القرآن في صدره، وأن يقرأه على الناس كاملا لا ينقص كلمة ولا حرفا، وأن يبين له معناه فلا تخفى عليه خافية منه كذلك قال الله في سورة الأعلى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}، وقال له مرة ثالثة في سورة طه: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

ألا ترى في هذا كله نورًا يهدي إلى أن القرآن كلام الله وحده، ومحال أن يكون كلام محمد وإلا لما احتاج إلى هذا العناء الذي كان يعانيه في نزول القرآن عليه، ولكان الهدوء والسكون والصمت أجدى في إنضاج الفكرة وانتقاء ألفاظها لديه، ولما كان ثمة من داع إلى أن يطمأن على حفظه وتبليغه وبيان معانيه. أضف إلى ذلك أن هذه الحال التي كانت تعروه - صلى الله عليه وسلم - عند الوحي لم تكن من عادته في تحضير كلامه لا قبل النبوة ولا بعدها، ولم تكن من عادة أحد من قومه بل كان ديدنهم جميعًا تحضير الكلام في نفوسهم وكفى. (١)

[الوجه الثامن: عجز الرسول عن الإتيان ببدل له]

وذلك أن أعداء الإسلام طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن يبدله فلم يفعل؛ وما ذاك إلا لأن القرآن ليس كلامه؛ بل هو خارج عن طوقه، آت من فوقه، ولو كان كلامه لاستطاع أن يأتي بغيره، وأن يبدله حين اقترحوا عليه، وحينئذ يكتسب أنصارًا إلى أنصاره ويضم أعوانا إلى أعوانه، ويكون ذلك أروج لدعوته التي يحرص على نجاحها؛ لكنه أعلن عجزه عن إجابة هذه المقترحات، وأبدى مخاوفه إن هو أقدم على هذا الذي سألوه، وتنصَّل من نسبة القرآن إليه مع أنه الفخر كل الفخر، وألقمهم حجرًا في أفواههم بتلك الحجة التي أقامها عليهم وهي أنه نشأ فيهم لا يعرف ولا يعرفون عنه ذلك الذي جاء به وهو القرآن، اقرأ إن شئت هاتين الآيتين في سورة يونس {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ٢/ ٢٨٩ - ٢٩٠، وانظر: النبأ العظيم (٦١)، والمستشرقون وشبهاتهم حول القرآن (٥٢)، ودعاوى الطاعنين في القرآن الكريم (٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>