تحث وتحض على طلب العلم، فالمرأة المسلمة بفضل من كانت مثالًا مشرفًا في ظل حضارة الإسلام، ويصف شوقي أمير الشعراء ذلك فيقول:
هذا رسول اللَّه لم ... ينقص حقوق المؤمناتِ
العلم كان شريعة ... لنسائه المتفقِّهات
رُضنَ التجارة والسياسة ... والشئون الأخريات
ولقد عَلَتْ ببنَاته ... لُجَجُ العلوم الزخرات
كانت سكَيْنَةُ تملأ الد ... نيا وتهزأ بالرُّواةِ
روتِ الحديث وفسَّرتْ ... آي الكتاب البَيِّناتِ
[الوجه العاشر: تاريخ غير المسلمين في مسألة تعليم المرأة عبر عصورهم.]
ويظهر سمو المبادئ الإسلامية -التي ذكرناها- بالموازنة بينها وبين ما تقرره الشرائع الأخرى في هذه الشئون.
فقوانين أثينا مثلًا، التي يعدها المؤرخون أكثر القوانين ديمقراطية في العصور القديمة، لا تتيح فرصة التعلم والثقافة إلا للأحرار من ذكور اليونان، بينما توصدها إيصادًا تامًّا أمام النساء. وقد عبر عن وجهة نظرهم هذه أصدق تعبير، وصاغها في صورة نظرية علمية كبير فلاسفتهم أرسطو، إذ يقرر في كتابه "السياسة" أن الطبيعة لم تزود النساء بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تقتصر تربيتهن على شئون تدبير المنزل والحضانة والأمومة. ولم يكن أرسطو في ذلك معبرًا عن رأيه الشخصي، وإنما كان مسجلًا لما كان يجرى عليه العمل في دولة أثينا التي يعدون نظامها أرقى نظام ديمقراطي في الأمم السابقة للإسلام. ولذلك حينما قرر أفلاطون في مدينته الخيالية "الجمهورية" مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في حق اقحلم والثقافة والاضطلاع بمختلف الوظائف، كانت آراؤه موضع تهكم وسخرية من مفكري أثينا فلاسفتها وشعرائها، حتى أن أرستوفان عميد شعراء الكوميديا في ذلك العصر وقف تمثيليتين اثنتين من ثمثيلياته على السخرية بهذه الآراء، وهما "برلمان النساء" و"بلوتوس".