للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الثالث: الجمع بين الآثار التي ظاهرها التعارض.]

قال الشاطبي: لا تضاد بين آيات القرآن ولا بين الأخبار النبوية ولا بين أحدهما مع الآخر؛ بل الجميع جار على مهيع واحد ومنتظم إلى معنى واحد، فإذا أداه بادىء الرأي إلى ظاهر اختلاف فواجب عليه أن يعتقد انتفاء الاختلاف؛ لأن الله قد شهد له أن لا اختلاف فيه، فليقف وقوف المضطر السائل عن وجه الجمع، أو المسلِّم من غير اعتراق، فإن كان الموضع مما يتعلق به حكم عملي فليلتمس المخرج حتى يقف على الحق اليقين أو ليبق باحثًا إلى الموت ولا عليه من ذلك، فإذا اتضح له المغزى وتبينت له الواضحة فلا بد له من أن يجعلها حاكمة في كل ما يعرض له من النظر فيها، ويضعها نصب عينيه في كل مطلب ديني كما فعل من تقدمنا ممن أثنى الله عليهم. (١)

قال العلامة الشنقيطي: وللجمع بين ذلك أوجه:

أن قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، أي إذا كان مستحلًا لقتل المؤمن عمدًا؛ لأن مستحل ذلك كافر قاله عكرمة وغيره، ويدل له ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن جبير، وابن جرير عن ابن جريج من أنها نزلت في مقيس بن صبابة فإنه أسلم هو وأخوه هشام وكانا بالمدينة، فوجد مقيس أخاه قتيلًا في بني النجار ولم يعرف قاتله، فأمر له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدية فأعطتها له الأنصار مائة من الإبل، وقد أرسل معه النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من قريش من بني فهر فعمد مقيس إلى الفهري رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتله وارتد عن الإسلام، وركب جملًا من الدية، وساق معه البقية ولحق بمكة مرتدًا وهو يقول في شعر له:

قتلت به فهرًا وحملت عقله ... سراة بني النجار أرباب فارع

وأدركت ثأري وأضجعت موسدًا ... وكنت إلى الأوثان أول راجع


(١) الاعتصام للشاطبي ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>