ومقيس هذا هو الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا أؤمنه في حل ولا في حرم"(١)، وقتل متعلقًا بأستار الكعبة يوم الفتح. فالقاتل الذي هو كمقيس بن صبابة المستحل للقتل، المرتد عن الإسلام لا إشكال في خلوده في النار، وعلى هذا فالآية مختصة بما يماثل سبب نزولها بدليل النصوص المصرحة بأن جميع المؤمنين لا يخلد أحد منهم في النار.
الوجه الثاني: أن المعنى فجزاؤه إن جوزي مع إمكان ألا يجازى إذا تاب، أو كان له عمل صالح يرجح بعمله السيئ. . . وهذا قول أبي هريرة - رضي الله عنه - وأبي مجلز وأبي صالح وجماعة من السلف.
الوجه الثالث: أن الآية للتغليظ في الزجر، ذكر هذا الوجه الخطيب والآلوسي في تفسيريهما وعزاه الآلوسي لبعض المحققين، واستدلا عليه بقوله تعالى:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالمِينَ}، على القول بأن معناه: ومن لم يحج، وبقوله - صلى الله عليه وسلم - الثابت في الصحيحين للمقداد حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في الحرب:"لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن يقول الكلمة التي قال"، وهذا الوجه من قبيل كفر دون كفر، وخلود دون خلود، فالظاهر أن المراد به عند القائل به أن معنى الخلود المكث الطويل، والعرب ربما تطلق اسم الخلود على المكث الطويل، ومنه وقوله لبيد:
فوقفت أسألها وكيف سؤالنا صمًا خوالد ما يبين كلامها.
إلا أن الصحيح في معنى الآية الوجه الثاني والأولى، وعلى التغليظ في الزجر حمل بعض العلماء كلام ابن عباس أن هذه الآية ناسخة لكل ما سواها، والعلم عند الله تعالى.
قال الشنقيطي: الذي يظهر أن القاتل عمدًا مؤمن عاص له توبة كما عليه جمهور علماء الأمة وهو صريح قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآية، وادعاء تخصيصها بالكفار لا دليل عليه، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، وقد توافرت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج من النار من
(١) انظر سنن النسائي ٧/ ١٠٥. وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (٣٧٩١).