قيل له: ونحن لا نعلم كيفية نزوله؛ إذ العلم بكيفية الصفة يستلزم العلم بكيفية الموصوف، وهو فرع له وتابع له، فكيف تطالبني بالعلم بكيفية سمعه وبصره وتكليمه واستوائه ونزوله وأنت لا تعلم كيفية ذاته؟ وإذا كنت تقر بأن له حقيقة ثابتة في نفس الأمر مستوجبة لصفات الكمال لا يماثلها شيء، فسمعه وبصره وكلامه ونزوله واستواؤه ثابت في نفس الأمر وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم وكلامهم ونزولهم واستواؤهم. (١)
[الوجه الثالث: الرد على قولهم، كيف ينزل مع اختلاف الليل في البلاد؟]
وقد يتساءل البعض: الليل يختلف من بلد إلى أخرى، فحين يكون ثلث الليل في بلد يكون نهار في بلاد أخرى فكيف التوفيق؟
ونقول: إذا كنا بدايةً آمنا بالله سبحانه وتعالى، وأن رب الكون كله علويه وسفليه، لا يشاركه فيه أحد لا في خلق ولا في تدبير، وأن الله تعالى له القدرة التامة والمشيئة الكاملة، وأنه لا يشبه المخلوق لا في ذات ولا في صفات، وأنه يفعل في ملكه ما يشاء، فنحن نؤمن بأن ما جاء به حق وأن ما جاء به رسوله حق، فما كان متعلق بصفاته وذاته فنؤمن به من غير كيف، لأننا لم نرَ ربنا حتى نستطيع أن نكيفه.
فإذا أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - الأمين الصادق في قوله ونقله، وقد شهد له العدو قبل الحبيب بالصدق والأمانة بقوله عن ربه أن ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلة، فنحن نؤمن بذلك من غير نظر في مجريات الكون وتغير الزمن والحال؛ لأن كل ذلك من خلق الله.
وقد أجاب عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك وهذا نص الجواب:
الحمد لله رب العالمين، أما القائل الأول الذي ذكر نص النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد أصاب فيما قال؛ فإنَّ هذا القول الذي قاله قد استفاضت به السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واتفق سلف الأمة وأئمتها وأهل العلم بالسنة والحديث على تصديق ذلك، وتلقيه بالقبول، ومن قال ما قاله الرسول فقوله حق وصدق، وإن كان لا يعرف حقيقة ما اشتمل عليه من المعاني كمن قرأ القرآن ولم يفهم ما فيه