(القِراءة، والاقْتراء، والقارئ، والقُرآن) والأصل في هذا اللفَّظة الجمعُ. وكلُّ شيء جَمعْتَه فقد قَرَأتَه. وسُمِّيَ القُرآن قُرآنًا؛ لأنه جَمع القِصَص، والأمْر والنهي، والوْعد والوعيد، والآياتِ والسُّوَر بعضها إلى بعض، وهو مصدر كالغُفْران، والكُفْران، وقد يُطْلق على الصلاة، لأنَّ فيها قِراءة تَسْمِيةً للشيء ببعضه، وعلى القِراءة نفْسِها يقال: قَرأ يَقْرأ قِراءة وقُرآنًا، والاقتراء: افْتِعال من القِراءة، وقد تُحْذف الهمزة منه تخفيفًا فيقال: قُرآن، وقَرَيْتُ، وقارٍ، ونحو ذلك من التّصْريف.
وفيه "أكثرُ منافقي أمَّتي قُرّاؤها" أي أنهم يَحْفَظون القرآن نَفْيًا للتُّهمة عن أنفُسهم وهم معْتَقدون تَضْييعَه. وكان المنافقون في عَصْر النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الصفة.
وفي حديث أبيّ في ذِكْر سورة الأحزاب (إن كانت لَتُقارِى أو هي أطْول) أي تجاريها مَدَى طُولها في القراءة، أو أنَّ قَارئها لَيُساوِي قارئ سورة البقرة في زَمَن قِراءتها، وهي مُفاعَلة من القِراءة.
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنه - (أنه كان لا يَقْرأ في الظُّهر والعَصْر) ثم قال في آخره {وَمَا كَانَ رَبُّكَ} معناه أنه كان لا يَجْهَر بالقراءة فيهما أو لا يُسْمع نفْسَه قراءته؛ كأنه رأى قَومًا يقرؤون، فيُسمِعون أنفسهم ومن قَرُب منهم.
ومعنى قوله {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} يريد أن القراءة التي تَجْهَر بها أو تُسْمِعُها نفسك يكتُبها الملكان، وإذا قرأتها في نفِسك لم يكْتُباها والله يحفظُها لك ولا ينْساها لِيُجازِيك عليها.
وفيه (إن الربَّ عز وجل يُقْرِئك السلام) يقال: أقْرِئ فُلانا السلام واقْرَأ عليه السلام؛ كأنه حين يُبَلِّغه سلامه يَحْمِله على أن يَقْرأ السلام ويَرُدّه، وإذا قَرأ الرجل القرآن أو الحديث على الشيخ يقول: أقْرَأني فلان: أي حَمَلني على أن أقرأ عليه (١).