للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخلاصة هذا الوجه أن (كلمة الله) صفة من صفاته، وكلامه كذلك، وإذا كان الكلام صفة من صفاته فليس هو شيء منفصل عنه، لما تقرر آنفًا من أن الصفة لا تقوم بنفسها؛ بل لا بد لها من موصوف تقوم به، وأيضًا فإن (كلمة الله) ليست هي بداهة جوهر مستقل، فضلًا عن أن تتجسد في صورة المسيح، كما يزعم النصارى.

قال ابن تيمية: إن المضاف إذا كان معنى لا يقوم بنفسه، ولا بغيره من المخلوقات وجب أن يكون صفة لله تعالى قائمًا به، وامتنع أن تكون إضافته إضافة مخلوق مربوب، وإن كان المضاف عينًا قائمة بنفسها كعيسى وجبريل وأرواح بني آدم امتنع أن تكون صفة لله تعالى؛ لأن ما قام بنفسه لا يكون صفة لغيره، فقوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} وقوله في عيسى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} وقوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} يمتنع أن يكون شيء من هذه الأعيان القائمة بنفسها صفة لله تعالى، لكن الأعيان المضافة إلى الله تعالى على وجهين: أحدهما أن تضاف إليه من جهة كونه خلقها وأبدعها فهذا شامل لجميع المخلوقات كقولهم: سماء الله وأرض الله، ومن هذا الباب فجميع المخلوقين عباد الله، وجميع المال مال الله، وجميع البيوت والنوق لله.

[الوجه الثاني: أن يضاف إليه لما خصه الله به من معنى يحبه ويرضاه ويأمر به.]

كما خص البيت العتيق بعبادة تكون فيه لا تكون في غيره، وكما خص المساجد بأن يفعل فيها ما يحبه ويرضاه من العبادات، وأن تصان عن المباحات التي لم تشرع فيها فضلًا عن المكروهات، وكما يقال عن مال الفيء والخمس: هو مال الله ورسوله (١).

ثانيًا: إن أبى المعرضون ما سبق، وقالوا: بل المسيح هو (الكلمة) وهو الرب، وهو خالق وليس بمخلوق، إذ كيف تكون الكلمة مخلوقة؟

فالجواب: إذا سلمنا بأن المسيح هو (الكلمة) وهو الخالق، فكيف يليق بالخالق أن يُلقى؟ ! إن الخالق حقيقة لا يلقيه شيء؛ بل هو يلقي غيره، فلو كان خالقًا لمَا أُلقي، ولمَا قال


(١) درء تعارض العقل مع النقل (٧/ ٢٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>