للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: وذلك لأن المحب يتفق هو محبوبه بحيث يرضى أحدهما بما يرضاه الآخر، ويأمر بما يأمر به، ويبغض ما يبغضه، ويكره ما يكرهه، وينهى عما ينهى عنه، وهؤلاء هم الذين يرضى الحق لرضاهم، ويغضب لغضبهم، والكامل المطلق في هؤلاء محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال - تعالى - فيه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} وقال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ}، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}. (١)

قال ابن القيم: فتأمل قوله في الإطعام والإسقاء: "لوجدت ذلك عندي"، وقوله: في العيادة: "لوجدتني عنده" ولم يقل: لوجدت ذلك عندي إيذانًا بقربه من المريض، وأنه عنده لذله، وخضوعه، وانكسار قلبه، وافتقاره إلى ربه، فأوجب ذلك وجود الله عنده، هذا وهو فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وهو عند عبده. (٢)

[الوجه الخامس: بطلان قول من قال بالحلول والاتحاد.]

قال ابن تيمية: وقوله: "لوجدتني عنده ووجدت ذلك عندي" نَفْيٌ للاتِّحَادِ الْعَيْنِيِّ بِنَفْيِ الْبَاطِلِ وَإِثْبَاتٌ لِتَمْيِيزِ الرَّبِّ عَنْ الْعَبْدِ.

وَقَوْلُهُ: (لَوَجَدْتنِي عِنْدَهُ) لَفْظُ ظَرْفٍ؛ وَبِكُلِّ يَثْبُتُ المعْنَى الحقُّ مِنْ الحُلُولِ الْحَقِّ؛ الَّذِي هُوَ بِالْإِيمَانِ لَا بِالذَّاتِ. وَيُفَسَّرُ قَوْلُهُ: (مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي) فَلَوْ كَانَ الرَّبُّ عَيْنَ الْمَرِيضِ وَالجَائِعِ لَكَانَ إذَا عَادَهُ وَإِذَا أَطْعَمَهُ يَكُونُ قَدْ وَجَدَهُ إيَّاهُ وَقَدْ وَجَدَهُ قَدْ أَكَلَهُ.

وقال: يُفَسَّرُ قَوْلُهُ: (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي) فَلَوْ كَانَ الرَّبُّ عَيْنَ الْمَرِيضِ وَالجائِعِ لَكَانَ إذَا عَادَهُ وَإِذَا أَطْعَمَهُ يَكُونُ قَدْ وَجَدَهُ إيَّاهُ وَقَدْ وَجَدَهُ قَدْ أَكَلَهُ. (٣)

كما أن الحديث قد فرق وميز بين العابد والمعبود، والرب والمربوب، وهذا نقض صريح لعقيدة الحلول والاتحاد.


(١) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٩١: ٣٩٢.
(٢) مدارج السالكين ٣/ ٤١١.
(٣) مجموع الفتاوى ٢/ ٣٩١، ٣٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>