للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٤)} [الأنعام: ٨٤].

فأخبر الله أنه هداه واجتباه، وجعله من المحسنين، وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (٨٤)} [الأنبياء: ٨٣، ٨٤].

وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٤٣) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} [ص: ٤١ - ٤٤] فسماه الله - عز وجل - عبدًا كما يخبر جميع أنبيائه، لأن مقام العبودية هو أشرف المقامات على الإطلاق، ثم إنه في هذه الآيات قال (مسني الشيطان)، وفي الأنبياء قال: (مسني الضر) فلم ينسب الضر إلى الله سبحانه وتعالى أدبًا مع الله - عز وجل -.

وقال المفسرون: هذا ليس شكاية، إنما هو دعاء؛ بدليل قوله تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} على أن الجزع إنما هو في الشكوى إلى الخلق، فأما الشكوى إلى الله - عز وجل - فلا يكون جزعًا ولا ترك صبر كما قال يعقوب: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦]، وقوله: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} أي: رد الله - عز وجل - إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاه مثلهم معهم، وهو ظاهر القرآن (١).

ثانيًا: فضل أيوب - عليه السلام - في السنة:

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أشد الناس بلاءًا لأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيْدَ في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة" (٢).


(١) تفسير البغوي (٤/ ٤٣).
(٢) صحيح. أخرجه النسائي (٧٤٨٢)، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية (١/ ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>