للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بين ذلك - صلى الله عليه وسلم - فقال: "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش" كما عند. ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - أنها "تغرب تحت العرش" أو يقل "حتى تغرب تحت العرش"، وهذا وهم توهمه بعض الناس الذين أُشكل عليهم معنى هذا الحديث، وهو مردود لأن ألفاظ الحديث ترده. فقوله: "تذهب" دلالة على الجريان؛ لا دلالة على مكان الغروب؛ لأن الشمس لا تغرب في موقع حسي معين؛ وإنما تغرب في جهة معينة، وهي ما اصطلح عليه الناس باسم الغرب. والغروب في اللغة: التواري والذهاب كما ذكره ابن منظور وغيره، يقال غرب الشيء أي توارى وذهب، وتقول العرب أغرب فلان أي أبعد وذهب بعيدًا عن المقصود. إذا تقرر هذا أتضح معنى آخر وهو: أن الشمس لا تسجد تحت العرش عند كل غروب تغربه عن أنظار كل بلد؛ فإن هذا هو اللبس الذي ينشأ عند من فهم أن الشمس تسجد عند كل غروب يراه أهل كل قطر، ولو كان الأمر كذلك لكانت ساجدة على الدوام ولا استنكر أهل الأرض ذلك، ولذلك جاءت فائدة الاحتراز من هذا الاحتمال في رواية مسلم "ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا" (١) (٢).

[الوجه السادس: معنى السجود.]

فقولهم قد سَجَدَ الرجلُ معناه: قد انحنى وتطامن ومال إلى الأرض من قول العرب قد سجدت الدابة وأسجدت إذا خفضت رأسها لتركب قال الشاعر:

وكِلتاهُما خَرَّتْ وأَسْجَدَ رأسُها ... كما سَجَدَتْ نصرانَه تحَنَّفِ

ويقال قد سجدت النخلة إذا مالت، ونخلة ساجدة ونخل سواجِد، ومن ذلك قول الله عزَّ وجل {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦)} [الرحمن: ٦]، قال الفراء: معناه يستقبلان الشمس ويميلان معها حتى ينكسر الفيء، ويكون السجود على جهة الخشوع والتواضع والتذلل لله كقوله عزَّ وجلَّ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ


(١) مسلم (١٥٩).
(٢) رفع اللبس عن حديث سجود الشمس د. عبد الله النهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>