للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنها تدخل في الأرض؛ ولهذا قال: {وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (٩٠)

ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم.

وقال القتبي: ويجوز أن تكون هذه العين من البحر، ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها، فيقام حرف الصفة مقام صاحبه، وَالله أعلم (١).

وقال ابن كثير: وقوله: {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله يراها كأنها تغرب فيه، وهي لا تفارق الفلك الرابع الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه. اهـ (٢).

قلت: ومثله قول الناس "غابت الشمس في الأفق" مع أنها لا تغيب في الأفق حقيقة؛ وإنما تتوارى عنا من وراء الأفق لا فيه؛ لأن الشمس أكبر من الأرض بمئات المرات. فكيف تغيب في أفق الأرض الصغير جدًّا؟ كما أنها خارج محيط الأرض بل تبعد عنها آلاف الكيلومترات فكيف تغيب في الأفق؟ ومع ذلك نقول غابت في الأفق من باب التجوز لا على وجه الحقيقة.

فالخلاصة أن المراد بلفظ "الغروب"، في الحديث الذهاب والسير والجريان، كما هو مفسر في الرواية الأخرى وكما هو مستعمل في لغة العرب وكما جاء في قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}، فالغروب في حقيقته ليس إلا جريان الشمس، وليس للشمس مغرب حقيقي ثابت، قال الإمام ابن عاشور - رحمه الله: والمراد بـ {مَغْرِبَ الشَّمْسِ} مكان مغرب الشمس من حيث يلوح الغروب من جهات المعمور من طريق غزوته أو مملكته، وذلك حيث يلوح أنه لا أرض وراءه بحيث يبدو الأفق من جهة مستبحرة، إذ ليس للشمس مغرب حقيقي إلا فيما يلوح للتخيل.


(١) تفسير القرطبي (١١/ ٤٨).
(٢) تفسير ابن كثير (٣/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>