للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ؛ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ الله مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ الله وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" (١).

فانظر لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد لقيت من قومك" كلمة تحمل الكثير مما عاناه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكابده مع هؤلاء المشركين.

٤ - عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم (٢).

فمما ذكرنا تبين أنه قد اشتد الأذى بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وسُبَّ، وخُنق، وسال الدم منه - صلى الله عليه وسلم -، وأوذي أشد الإيذاء، أفلا يكون من المعقول أن يدافع الله - عز وجل - عنه ويهدد الذين يؤذونه، ويجعل سبحانه أذية رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أذيته - عز وجل -؟ .

بلى، إن الله يدافع عن الذين آمنوا، لذلك قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (٥٧)} [الأحزاب: ٥٧].

[الوجه الثالث: رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأعدائه وبأمته ورحمته في دعوته وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتحمل الأذى إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله - عز وجل -.]

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧]، فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به قبلوا هذه الرحمة وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرًا، وأبوا رحمة الله ونعمته.

وشملت رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - العالمين، والعالمين تشمل الكافر والمؤمن؛ فهو رحمة للبر والفاجر، فمن آمن به أمن من عذاب الله في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به أمن من عذاب الله في الدنيا وأجلت له العقوبة في الآخرة، مصدقًا لقول الله - عز وجل -: {وَمَا كَانَ


(١) أخرجه البخاري (٣٢٣١)، ومسلم (١٧٩٥).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>