للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأصل الثاني: التزام أحكام الإسلام، وعدم التعرض للإسلام أو أهله بضرر أو سوء.]

فهنا جانبان: الجانب الأولى: دفع الجزية؛ لأن اللَّه سبحانه وتعالى قال: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: ٢٩). وأما الجانب الثاني: فهو تعظيمهم للإسلام، فيحفظون حرمة الإسلام، ويحفظون حق الإسلام، فلا يتعرضون لسب اللَّه، ولا لسب رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا سب الإسلام، ولا يطعنون في القرآن، ولا في السنة، ولا يستهزئون بشيء من الإسلام، ولا بالمسلمين، مع أمور أُخر هي من لوازم عقد الذمة، حتى يستقيم عيشهم تحت الإسلام في ذلة، وصغار، لا في عزة وقوة واستكبار، حتى لا تكون لهم شوكة على المسلمين، فيكون الأمر محقِّقًا لخلاف ما قصده الشرع أو عناه من هذا الحكم التشريعي (١).

فظهر جليًا أن عقد الذمة ملزم لطرفين طرف المسلمين، والطرف الآخر، وأن على كل منهما حقوق تجاه الآخر حتى يمكن التعايش بينهما في بلد واحد مع اختلاف الدين، وما بذله المسلمون إنما هو من قبيل الإحسان الذي أمر اللَّه به، وما طلب من أهل الذمة إنما هو من قبيل رد الجميل وأداء الحق، والسياسة الحكيمة التي تضمن استقرار المجتمع، وعقد كهذا سبق إليه الإسلام في التعامل مع الآخرين لاشك منقبة من مناقب الإسلام.

وهذا العقد اختياري من بين أمور ثلاثة، وليس إجباريًا في أول الأمر.

وبيان ذلك أن أهل الحل والعقد منهم هم الذين يختارون إبرام هذا العقد، ولا يجبرون عليه في أول الأمر، والأصل في ذلك أن الإسلام هو دين الحق، وأن اللَّه تعالى كلف المسلمين بدعوة الناس إليه لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، وهؤلاء بتمسكهم بدينهم الباطل لا يرضون بذلك فيصدون المسلمين فيقع القتال، ولكنهم قبل القتال يخيرون بين الإسلام، أو الجزية، أو القتال، فأي واحدة اختاروها كانت لهم فإن اختاروا


(١) شرح زاد المستقنع لمحمد بن محمد المختار الشنقيطي (٥/ ٤٦٠)، وانظر الحاوي للماوردي (١٤/ ٢٩٧) وما بعدها، والروض المربع، والمبدع لابن مفلح، والشرح الممتع لابن عثيمين؛ باب عقد الذمة وأحكامها، والموسوعة الفقهية الكويتية مادة عقد الذمة، وانظر كذلك لسان العرب (٣/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>