للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واللَّه سبحانه قد قال: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ولم يرد بكل ما يسمى نكاحًا مع الإطلاق أو التقييد بإجماع الأمة؛ فإن ذلك يدخل فيه نكاح ذوات المحارم، فلابد أن يراد به ما يفهم من لفظ النكاح عند الإطلاق في عرف المسلمين، ويقوي هذا أن التحريم قبل هذا النكاح ثابت بلا ريب ونكاح الرغبة رافع لهذا التحريم بالاتفاق، وأما نكاح المحلل فلا نعلمه مرادًا من هذا الخطاب، ولا هو مفهوم منه عند الإطلاق، فيبقى التحريم ثابتًا حتى يقوم الدليل على أنه نكاح مباح. واللَّه سبحانه أطلق النكاح في هذه الآية وفسره لسهولة المبين مراده بأن النكاح التام الذي يحصل فيه مقصود النكاح وهو الجماع المتضمن ذوق العسيلة، فعلم أنه لم يكتفِ بمجرد نكاح على التقييد؛ وإنما أراد ما هو النكاح المعروف الذي يفهم عند الإطلاق؛ وذلك إنما هو نكاح الرغبة المتضمن ذوق العسيلة، وهذا بَيِّنٌ إن شاء اللَّه تعالى. فإذا ثبت أن هذا ليس بنكاح ثبت أنه حرام؛ لأن الفرج حرام إلا بنكاح أو ملك يمين، وثبت أنها لا تحل للمطلق إذ اللَّه حرمه عليه حتى تنكح زوجًا غيره. اهـ (١)

[الوجه الثاني: الأمة التي تعايش القرآن تبين الفهم الصحيح للآية]

إن أهل القرآن هم الذين نعتوا بهذا الفهم الدقيق الذي استنبطوه من كلام رب العالمين، وكذلك أجمعوا قاطبة على حرمة نكاح التحليل، وفي شرحهم لهذه الآية بينوا الفهم الصحيح لها. ونحن نذكر بعض أقوالهم ليكون ذلك حجةً وأوضح بيانًا.

قال ابن كثير: وقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} أي: إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعدما أرسل عليها الطلاق مرتين فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجًا غيره، أي: حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح، ثم قال: والمقصود من الزوج الثاني أن يكون راغبًا المرأة قاصدًا لدوام عشرتها، كما هو المشروع في التزويج. . .

ثم قال: فأما إذا كان الثاني إنما قصده أن يحللها للأول فهذا هو المحلل الذي وردت فيه


(١) إقامة الدليل على بطلان التحليل (٥٠٠ - ٥٠٦) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>