ولكنهم - وهم الأكثر دراية بحاله وتحركاته - لم يرصدوا أنه ذهب إلى معلم كتابي واحد، ولم يفضحه رفاقه في السفر بأنه التقى بأي حبر أو كاهن، ومن غير الممكن أن يتردد سيدنا محمد إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة؛ أحياؤها بل بيوتها معروفة لكل واحد من أهلها.
[شبهة: القرآن وورقة والنصارى ونسبة تأليفهم له.]
قالوا: ورقة ألَّف القرآن، ونسبه هو ومحمد إلى الله.
والرد على الشبهة كما يلي:
[الوجه الأول: إثبات أن القرآن من عند الله.]
لخص ابن كثير هذه المسألة في بداية تفسيره تحت هذه الآيات من سورة البقرة، فقال: قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)}.
ثم شرع تعالى في تقرير النبوة بعد أن قرر أنه لا إله إلا هو، فقال مخاطبًا للكافرين:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يعني: محمدًا - صلى الله عليه وسلم - {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} من مثل ما جاء به إن زعمتم أنه من عند غير الله، فعارِضوه بمثل ما جاء به، واستعينوا على ذلك بمن شئتم من دون الله، فإنكم لا تستطيعون ذلك.
قال ابن عباس:{شُهَدَاءَكُمْ} أعوانكم، أي: قومًا آخرين يساعدونكم على ذلك.
وقال السدي عن أبي مالك: شركاءكم أي: استعينوا بآلهتكم في ذلك يمدونكم وينصرونكم.
وقال مجاهد:{وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} قال: ناس يشهدون به يعني: حكام الفصحاء.
وقد تحداهم الله تعالى بهذا في غير موضع من القرآن، فقال في سورة القصص:{قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[القصص: ٤٩]،