للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم: إن كون الدليل من الأمور الظنية، أو القطعية أمر نسبي، يختلف باختلاف المدرك المستدل، ليس هو صفة للدليل في نفسه، فهذا أمر لا ينازع فيه عاقل - فقد يكون قطعيًا عند زيد ما هو ظني عند عمرو - فقولهم: إن أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة المتلقاة بين الأمة لا تفيد العلم، بل هي ظنية: هو إخبار عما عندهم؛ إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم، فقولهم: لم يستفد بها العلم لم يلزم منها النفي العام، وذلك بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء والعالم به غير واجد له ولا عالم به، فهو كمن يجد من نفسه وجعا أو لذة أو حبا أو بغضا، فينتصب له من يستدل على أنه غير وجيع ولا متألم ولا محب ولا مبغض، ويكثر من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته، ولو كان حقا لاشتركنا أنا وأنت فيه! وهذا عين الباطل، وما أحسن ما قيل:

أقول للائم المهتدي ملامته ... ذق الهوى فإن استطعت الملام لم

فيقال له: اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واحرص عليه وتتبعه واجمعه، وعليك بمعرفة أصول نقلته وسيرتهم، وأعرض عما سواه، واجعله غاية طلبك، ونهاية قصدك (١).

الوجه السادس عشر: إن من لوازم هذا القول الباطل: الاقتصار في العقيدة على ما جاء في القرآن وحده، وفصل الحديث عنه، وعدم الاعتداد بما فيه من العقائد والأمور الغيبية، وفقا لطائفة من الناس اليوم يعرفون (بالقرآنيين)؛ لأنهم لا يدينون بالحديث إطلاقًا، إلا ما وافق القرآن منه.

الوجه السابع عشر: أنه يستلزم من العمل بهذا القول، إنكار ما عليه المسلمون من العقائد الصحيحة، وهاك بعضا منها:

- نبوة آدم عليه السلام، وغيره من الأنبياء الذين لم يذكروا في القرآن.

- أفضلية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - على جميع الأنبياء والرسل.

- شفاعته العظمى في المحشر، وشفاعته - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته.


(١) مختصر الصواعق (٥٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>