للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الجوهري: الظن معروف (وقد يوضع العلم) قال دريد بن الصمة:

فقلت لهم ظنوا بالقى مدجج ... سراتهم في الفارسى المسرد

أي: استيقنوا وإنما يخوف عدوه باليقين لا بالشك، وفى حديث أسيد بن حضير: وظننا أن لم يجد عليهما أي: علمنا، وفى حديث عبيدة عن أنس سألته عن قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} فأشار بيده، فظننت ما قال أي علمت، وقال الراغب: في قوله تعالى: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ} أنه استعمل فيه الظن بمعنى: العلم. وفى البصائر: وقد ورد الظن في القرآن مجملًا على أربعة أوجه بمعنى: اليقين، وبمعنى: الشك، وبمعنى: التهمة، وبمعنى: الحسبان (١).

[الوجه الثاني: الظن في الآية بمعنى: (اليقين).]

وقوله تعالى: {وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ} الظن ها هنا بمعنى: اليقين؛ لأن ما تقدم من قول: {قُضِيَ الْأَمْرُ} يلزم ذلك، وهو يقين فيما لم يخرج بعد إلى الوجود، و (ظن) هنا بمعنى: اليقين؛ هو قول أكثر المفسرين، وفسره قتادة على الظنِّ الذي هو خلاف اليقين، قال: إنما ظن يوسف نجاته، لأن العابر يظن ظنًا وربك يخلق ما يشاء.

[الوجه الثالث: الظن وإن كان خلاف اليقين، فهذا في حال الناس، أما في حال الأنبياء فهو على اليقين.]

والأول أصح وأشبه بحال الأنبياء، وأن ما قاله للفتيين في تعبير الرؤيا كان عن وحي، وإنما يكون ظنًا في حكم الناس، وأما في حق الأنبياء فإن حكمهم حق كيفما وقع (٢).

قال الطبري: وهذا الذي قاله قتادة، من أن عبارة الرؤيا ظن، فإن ذلك كذلك من غير الأنبياء، فأما الأنبياء فغير جائز منها أن تخبر بخبر عن أمر أنه كائنٌ ثم لا يكون، أو أنه غير كائن ثم يكون، مع شهادتها على حقيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن، لأن ذلك لو جاز عليها في أخبارها، لم يُؤمَن مثل ذلك في كل أخبارها، وإذا لم يؤمن ذلك في أخبارها، سقطت


(١) المصباح المنير (٢/ ٢٨٦)، مختار الصحاح (٦/ ٤٠٧)، تاج العروس (١/ ٨١٠٢).
(٢) تفسير القرطبي (٩/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>