[الوجه السادس: ورقة ليس عنده يقين في الكيفية الصحيحة لعبادة الله، ولكن ما يغلب على ظنه يفعله]
فعن يونس بن بكير: عن ابن إسحاق، حدثني هشام، عن أبيه، عن أسماء: أن ورقة كان يقول: اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلم، ثم يسجد على راحته (١).
فهل ورقة الذي ليس عنده يقين في أمر النصرانية يكون داعيًا ومحرضًا لها؟ فمن الواضح من سيرة ورقة أنه اتخذ النصرانية لنفسه انتظارًا لنبي آخر الزمان لا أنه أراد أن يستمر على نصرانيته حتى ولو ظهر نبيٌّ يدعوه لغيرها.
[المطلب الثاني: طبيعة تدين ورقة بالنصرانية.]
الشبهة التي تندرج تحت هذا المطلب: أن ورقة قسيس نصراني (أبيوني) المذهب؛ له كهنوت بمكة، وله تأثير على محمد في تأليف الإسلام.
فالشبهات في هذا المطلب مآلها إلى الآتي:
١ - اعتقاد ورقة بأنه أبيوني المذهب لذلك أشار بتكفير النصارى في القرآن، وادعى أن المسيح ما هو إلا بشر رسول.
٢ - ورقة مبشر قسيس؛ فقام بالدعوة لدينه.
[الشبهة الأولى: ورقة أبيوني المذهب.]
الرد على ذلك من وجوه:
[الوجه الأول: تعريف الأبيونية عند غير المسلمين.]
قال المؤرخ موشيم في المجلد الأول من تاريخه:
إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن عيسى - عليه السلام - إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين، وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط؛ بل تجب على غيرهم أيضًا والعمل على أحكامه ضروري للنجاة، ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العمل ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة كانوا يذمونه ذمًا شديدًا ويحقرون تحريراته تحقيرًا بليغًا.
(١) سيرة ابن هشام ١/ ٢٢٥، السيرة لابن كثير ١/ ١٥٤، سير أعلام النبلاء (١/ ١٢٩) ورجاله ثقات.