للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استنكاره ذم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: أن المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر فيذم علي بن أبي طالب وشيعته، وينال منهم، ويلعن قتلة عثمان، ويستغفر لعثمان ويزكيه، فيقوم حجر بن عدي فيقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥]، وإني أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ممن تطرون، ومن تزكون أحق بالذم ممن تعيبون. (١)

والمغيرة بن شعبة يحذره، فيقول له المغيرة: يا حجر، ويحك! اكفف من هذا، واتق غضبة السلطان وسطوته، فإنها كثيرًا ما تقتل مثلك، ثم يكف عنه.

فلم يزل كذلك حتى كان المغيرة يومًا في آخر أيامه يخطب على المنبر، فنال من علي بن أبي طالب ولعنه، ولعن شيعته (٢)، فوثب حجر فنعر نعرة أسمعت كل من كان في المسجد وخارجه، فقال له: إنك لا تدري أيها الإنسان بمن تولع، أو هرمت! مر لنا بأعطياتنا وأرزاقنا؛ فإنك قد حبستها عنا، ولم يكن ذلك لك ولا لمن كان قبلك، وقد أصبحت مولَعًا بذم أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين، استجابةً لصرخة الثائر. فقام معه أكثر من ثلاثين رجلًا يقولون: صدق والله حجر! مر لنا بأعطياتنا؛ فإنا لا ننتفع بقولك هذا، ولا يجدي علينا، وأكثروا في ذلك.


(١) وهذا على فرض صحته وهو لا يصح فموقف حجر بن عدي بعيد كل البعد عن القسط الذي ذكره الله تعالى في الآية لأنه يثبت لعثمان ما يبرأ منه علي من اللعن والسب والطعن وهل هذا هو القسط وهل يرضى علي بذلك؟ ! أم أن القسط هو أن يدافع عن علي مع الاعتراف بسابقة عثمان وفضله؟ وهكذا الرواية حتى آخرها يصرح بسب حجر لعثمان مع أن القول الصحيح الذي لا يجوز خلافه -وقد انعقد عليه إجماع أهل السنة بعد خلافهم-: هو أن عثمان أفضل من علي وقد ذكرت هذا سابقا في فصل فتنة مقتل عثمان وما ترتب عليها.
(٢) وهذا من الكذب الصراح على المغيرة بن شعبة وهو من صنعة أبي الفرج الأصفهاني، فهذا سياق روايته، وأما الطبري فهذا نصه في هذا الموضع: فلم يزل حتى كان في آخر إمارته قام المغيرة فقال في علي، وعثمان كما كان يقول، وكانت مقالته: اللهم ارحم عثمان بن عفان، وتجاوز عنه، وأجزه بأحسن عمله فإنه عمل بكتابك، واتبع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وجمع كلمتنا، وحقن دماءنا، وقتل مظلوما، اللهم فارحم أنصاره، وأولياءه، ومحبيه، والطالبين بدمه، ويدعو على قتلته، فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كل من كان في المسجد وخارجًا منه وقال .... إلخ وليس فيه ما ذكره أبو الفرج، والرواية هي هي في تاريخ الطبري (٣/ ٢١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>