للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب وغيره من المعجزات وخوارق العادات. اقرأ في سورة الإسراء: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (٩٤)} [الإسراء: ٩٠ - ٩٤]. (١)

[الوجه السادس عشر: الفرق بين كلام الله - عز وجل - وبين كلام النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.]

ومما يفيد في هذا المقام ويدفع التلبيس، أن تعرف بُعد ما بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي الشريف. ولا أدلَّ على ذلك من أن بين يدي التاريخ إلى يوم الناس هذا آلافا مؤلفة من كتب السنة، تملأ دور الكتب في الشرق والغرب، وتنادي كل من له إلمام وذوق في البيان العربي: أن هَلُمَّ لتحس بحاستك البيانية، المدى البعيد بين أسلوبي القرآن والحديث، ولتؤمن عن وجدان بأن أسلوب التنزيل أعلى وأجل من أسلوب الأحاديث النبوية، علوا خارقا للعادة، خارجًا عن محيط الطاقة البشرية، وإن بلغ كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جودته وروعته وجلالته، ما جعله خير بيان لخير إنسان. غير أن هذه الفوارق - كما قلنا - فوارق فنية لا يدركها إلا الذين أوتوا حظًا عظيمًا من معرفة اللسان العربي والذوق العربي. ولقد نزل القرآن أول ما نزل على أمة العرب وهم مطبوعون على اللغة الفصحى، منقطعون لإحيائها وترقيتها؛ وكانوا يتفاضلون بينهم بالتفوق في علو البيان وفصاحة اللسان، حتى بلغ في تقديسهم لهذا أنهم كانوا يقيمون المعارض العامة للتفاخر والتفاضل بفصيح المنظوم وبليغ المنثور، وحتى إن القبيلة كان يرفعها بيت واحد من الشعر يكون رائعًا في مدحها، ويضعها بيت يكون لاذعًا في ذمها. ولقد كان هؤلاء العرب يعرفون نبي الإسلام ويعرفون مقدرته الكلامية من قبل أن يوحى إليه، فلم يخطر ببال منصف منهم أن يقول: إن هذا القرآن كلام محمد - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لما يرى من المفارقات الواضحة بين لغة القرآن ولغة الرسول - صلى الله عليه وسلم -.


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ٢/ ٢٩٣ - ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>