للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضاف إلى هذا أنه لم يعرف في نشأته بينهم بالخطابة ولا بالكتابة ولا بالشعر، ولم يؤثر أنه شاركهم في معارضهم وأسواقهم العامة التي كانوا يقيمونها للتسابق في البيان؛ بل كان مقبلا على شأنه، زاهدًا في الظهور، ميالًا إلى العزلة. وكل ما اشتهر به قبل النبوة أنه كان صادقا لم يجربوا عليه كذبا، أمينًا ما خان أبدًا، ميمون النقيبة عالي الأخلاق علوا ممتازا! فهل يعقل أن رجلًا سلخ عهد شبابه وكهولته على هذا النمط، يجيء في سن الشيخوخة فينافس العالم كله ويتحداه بشيء من لدنه، وهو الذي ما نافس أحدا قبل ذلك ولا تحداه؛ بل كان من خُلُقه الحياء والتواضع وعدم الاستطالة على خلق الله؟ (١)

ثم ليعلم أن القرآن لو كان كلام محمد كالحديث الشريف؛ لكان أسلوبهما واحدًا ضرورة أنهما على هذا الفرض صادران عن شخص واحد، استعداده واحد، ومزاجه واحد، ولكن الواقع غير ذلك، فأسلوب القرآن ضربٌ وحده، تظهر عليه سمات الألوهية التي تجل عن المشابهة والمماثلة، وأسلوب الحديث النبوي ضربٌ آخر لا يجل عن المشابهة والمماثلة؛ بل هو محلق في جو البيان، يعلو أساليب الناس في جملته دون تفصيله، ولا يستطيع بحال أن يصعد إلى سماء إعجاز القرآن. (٢)

* * *


(١) مناهل العرفان ٢/ ٢٤٤.
(٢) مناهل العرفان ٢/ ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>